-A +A
عقل العقل
الوطن يمر بثورة من التغيرات المتلاحقة؛ ومن آخرها إطلاق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- الاستراتيجية الوطنية للصناعة، هذه باعتقادي من بشائر الرؤية السعودية، التي هدفها النهائي خلق اقتصاد وطني متنوع ومستدام ولا يتأثر بالمتغيرات السياسية والاقتصادية بالعالم، والتي تجعل من أي اقتصاد أحادي الجانب عرضة للتقلبات الاقتصادية وما يترتب عليها من آثار سياسية واجتماعية خطيرة.

قضية الصناعة والاستثمار فيها أعتقد أنها خيار مصيري للاقتصاد الوطني مقارنة بأوجه الاقتصاد الأخرى لو قارناها مثلاً بالقطاع الزراعي في بلد يعاني من نقص الموارد المالية، فالمملكة بالجانب الصناعي لديها مزايا نوعية في هذا المجال من وجود طاقات سعودية شابة مؤهلة طموحة في هذه المرحلة الصناعية وأثبتت قدرتها في العمل الصناعي بكافة مجالاته في شركات مثل أرامكو وسابك والشركات التابعة لهما، فنسبة التوطين بهذه الشركات نسبة مرتفعة، فحقول النفط والغار في وسط الربع الخالي يديرها ويقف عليها كوادر سعودية طموحة ومؤهلة.


من مزايا الخيار الصناعي الداعم لهذه الاستراتيجية هو الموقع الاستراتيجي للمملكة من حيث الموقع الاستراتيجي لوسائل النقل والتصدير؛ حيث بلادنا تتوسط العالم بين آسيا وأوروبا والقارة الأفريقية والقارة الأمريكية، وطن بهذه الإطلالات على البحار في غربه وعلى الخليج بشرقه مع شبكة قطارات حديثة إذا تمت إقامتها ستوفر المال والوقت والمسافات في عملية النقل في التصدير وإعادته بشكل يخدم اقتصاد المملكة بشكل مستدام.

القوة البشرية والإمكانات الطبيعية الموجودة لدينا تعطي تفاؤلاً بنجاح هذه الاستراتيجية، خاصة أن هناك إرادة سياسية خلفها يقودها سمو ولي العهد، فكثير من الدول في العالم لا تملك ولا نسباً ضئيلة مما لدينا قامت ونهضت وأصبحت دولاً قوية اقتصادياً وصناعياً، فمن يتذكر في فترة السبعينات والثمانينات كانت الشركات الكورية الجنوبية وعمالتها إحدى شركات الإعمار في مرحلة الطفرة لدينا، رحلت تلك الشركات وعمالها وبقيت شواهد مشاريعها لدينا من عمائر إسكان قائمة، القضية باعتقادي هو ما حصل في دول مثل كوريا الجنوبية والهند وماليزيا وغير تلك الدول من نمو اقتصادي ناجح كان عماده الصناعة، رغم الفقر في الموارد الطبيعية الرافدة لتلك الصناعات، فقط نلقي نظرة على سوق السيارات في العالم نجد الماركات من هذه الدول هي المسيطرة في الغالب ونحن مستمرون كمستهلكين للبضائع التي نستوردها من الصين وأخواتها، بل إن بعض رجال الأعمال السعوديين مثلا يقيمون المصانع في الصين وغيرها من الدول حتى صناعة ملابسنا بما فيها ملابسنا الداخلية تصنع في الشرق وشمال إنجلترا، هل نحن أمم مستهلكة تلبس وتأكل وتقود سيارات وتكتب بأقلام وتتحدث بتلفونات مصنوعة خارج أوطانها؟ هل مكتوب علينا أن نكون عالة على العالم، مع ما يدره علينا النفط من مداخيل هائلة وقليلة في بعض الأحيان نصرفه على سلع استهلاكيه؟ مثل هذه الدورة الاقتصادية الطفيلية عليها أن تتغير وتحل مكانها صناعات وطنية حقيقة من الطاقية إلي الطائرة العسكرية وكفى استهلاكاً وبهرجة بصناعات أجنبية استوردناها من دول قد تكون مواد تصنيعها الأساسية من نفطنا المصدر لبعض تلك الدول.

الأمير عبدالعزيز بن سلمان كان صريحاً وشفافاً بتصريحه الأخير الذي قال فيه: إننا أضعنا 40 عاماً كان من الممكن أن نكون مثل الهند والصين، أتمنى أن إطلاق هذه الاستراتيجية الوطنية الصناعية أن تعوضنا عن سنوات العمر التي ضاعت في الاستهلاك والتي خلقت منا شعباً استهلاكيا بامتياز، فالدول الصناعية هي التي تهيمن على العالم اقتصادياً وسياسياً وبعضها قليلة الموارد، والمملكة يكفي لو تستثمر في مجال الطاقة المتجددة من مياه وطاقة شمسية فلن ينافسها أحد.