-A +A
أنمار مطاوع
الحضارة والمدنية.. رغم الخلط والتداخل بين المصطلحين: حضارة.. مدنية.. إلا أن الفوارق بينهما كبيرة.. فالحضارة لا تعني المدنية.. وبالتأكيد هما ليسا شيئاً واحداً. ولعل أهم فارق بين الاثنين يكمن في (القيم) الإنسانية المستقاة من التعاليم الدينية.. وقد يصل ذلك الفارق حدَّ التناقض - في بعض حالاته المتطرفة -؛ فالحضارة مرتبطة بالممتلكات الجمالية المادية، والمدنية مرتبطة بالممتلكات الجمالية المعنوية. الحضارة العالمية قديمة قِدم آلاف السنين.. والحداثة الحضارية قديمة بمئات السنين.. لكن (المدنيّة) لا عمر لها.. فهي تحضُر وتختفي بناء على مجموعة القيم المعمول بها على المستوى الاجتماعي والفردي. أي أن الحضارة؛ بعيداً عن جدليات التعريفات، تقاس بمقدار التقدّم التكنولوجي والعلمي والعمراني.. الذي يصل إليه مجتمع ما، وليس بمقياس القيم. أما المدنية، فلا علاقة مباشرة لها بهذا التقدّم، فهي - فعلياً - حصيلة مجموعة (القيم)؛ أي الصفات الفاضلة والرفيعة التي يمارسها الفرد ويعبّر بها عن تصرفاته وسلوكياته وطريقة تفكيره وردود أفعاله لما يواجهه في حياته اليومية. لهذا، تُقاس المدنية بمجموعة المفاهيم التي يعيش الإنسان بناء عليها.. سواء تعامل بها في مجتمع حضاري أو غير حضاري.

مصطلح (المدنية).. هذا المصطلح الأنيق.. لا يكتسبه الفرد إلا بـ(القيم) وتبنيها.. والالتزام بها. وإذا كانت الحضارة قابلة للنسبية.. فالمدنية لا تقبلها.. تكون أو لا تكون.


مناسبة هذه المقدمة ليس فلسفياً، بل خارطة طريق صغيرة لتطوير الذات. فنحن في بداية عام وطني جديد.. ومن الجميل لكل فرد ينتمي لهذا الوطن (الحيوي، المزدهر، الطموح) أن يبدأ سنته الجديدة بمفهوم جديد لترسيخ قيم المجتمع المدنية. المهمة ليست صعبة، على كل واحد منا أن يعرف أين هو الآن: ما هي القيم التي يتبناها ويتعامل بها حالياً، ثم عليه أن يعمل على تبني قيم إضافية للعمل عليها والتعامل بها خلال هذا العام.

أجمل ما نقدمه للوطن في عامه الجديد - وهو في أوج شغفه - أن يبدأ كل منا، على المستوى الشخصي، في تبني قيم إضافية جديدة ليفهمها ويستوعبها.. ويتعامل بناء عليها. فكل مواطن ينتمي لهذا الوطن له دور في صناعة مجتمع مدني ينعُم بالفضيلة.. والقيم الدينية الرفيعة.. خصوصاً أن رؤيته 2030 تقوم على القِيَم.