-A +A
نجيب يماني
منذ الإعلان عن توجهات وزارة الثقافة في العام 2019م، مضت لترسم الخطوط العريضة للأهداف الرئيسية التي تسعى لتحقيقها وتتمثل في الثقافة بصفتها نمط حياة، والثقافة من أجل النمو الاقتصادي والثقافة من أجل التبادل الدولي، مستندة في مسعاها إلى تعريف منظمة اليونسكو للثقافة، الذي ينصّ على أن الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع.

ولعل من الأشياء الجميلة والمشرقة لوزارة الثقافة إطلاقها الصندوق الثقافي برعاية الوزير الأمير بدر بن فرحان، بغرض تحفيز المشهد الثقافي والإسهام مع المنظومة الثقافية في زيادة المحتوى المحلي للفنون والثقافة، ورفع مؤشرات الرفاه الاجتماعي المرتبط بجودة الحياة، ورسم إستراتيجية ترسيخ مكانة المملكة وريادتها في مجال الثقافة عالمياً، وأن يكون ممكناً مالياً للتمويل الثقافي في المملكة..


ومع يقيني التام بإدراك القائمين على أمر هذا الصندوق بإيلاء الكتاب اهتماماً مقدّراً في سياق برامج وأولويات الصندوق، إلا أنني أجدها فرصة للتذكير والمطالبة بحتمية هذا الدعم، وأن يجعلوا الكتاب في غرة اهتمامهم، فالراهن السعودي يشير إلى ضعف نسب القراءة لدى الفرد، قياساً بشعوب أخرى، وهو أمر يضعنا في حرج كبير، ويذهب بنا عكس اتجاه الأمر الربّاني الأوّل للأمة الإسلامية «اقرأ»، ولهذا وجبت العناية بالكتاب على نحو متعاظم، لكونه أحد أهم روافد الثقافة وإثراء المعرفة لدى الفرد، والضامن للتنافس في عالم اليوم على بصيرة واعية، وإدراك مميز، وبهذا يكون التمايز إذا ما أردنا أن نلحق بالركب، وننهض قدماً وفق ما بشّرت به رؤية المملكة المباركة وهي بشارة تتطلّب وعياً ثقافياً نوعياً، ينسجم مع الواقع، ويرتكز على الموروث الباهر، لينتج مستقبلاً وضيئاً، ومفتاح ذلك كله الاطلاع، ووسيلته الكتاب النّوعي.

فالأمل كل الأمل أن يضع الصندوق الثقافي جلّ اهتمامه بهذا الأمر، ويعمل على فكرة تطوير إنشاء مكتبات مميزة بتصميم خاص في كلّ المولات المنتشرة على ساحة الوطن لبيع الكتاب ونشره بأسعار مدعمة، فليس بطعام المولات وآخر مستجدات الموضة وحدها يحيا الإنسان.

فالقراءة حصانة ضد القلق وهي ضرورية لتنوير العقول والارتواء من معين الأدب والثقافة ولا يتأتى هذا إلا عن طريق الكتاب فالثقافة هي الكتاب، والكتاب هو الثقافة، والعقول تحتاج إلى غذاء ثقافي وفكري. نحن أمة حضارية تمتلك رصيداً ضخماً من التراث الثقافي، ولا يزال تاريخنا في حاجة إلى المزيد من المعرفة والاطلاع.

على وزارة الثقافة وهي تعيد رسم خارطة جديدة للحياة بعد سنوات الصحوة العجاف، أن تستحدث في كل مجمع تجاري مكتبة وكذلك في مطارات المملكة أسوة بمطارات العالم لنشر الكتاب وتداوله وإشاعة الثقافة وإيقاظ الوعى الأدبي والفكري والترغيب في القراءة والمطالعة وتعميقها في نفس الفرد وإشاعتها كالماء والهواء حتى يألفها الناس ولا يملون من رفقتها.

فالقراءة تبني الإنسان وهي من متطلبات التنمية البشرية قد يقول قائل: لم تعد هناك قيمة للكتاب الورقي أمام تطور وسائل التقنية الحديثة التي مكنت القارئ بضغطة زر أن يستعرض ما يريد من كتب وثقافة (ايش نسوي بالورق)، هذا تصور خاطئ، وفهم قاصر، والدليل معارض الكتب التي تقام على أرض المملكة، واعتراف الناشرين بأنها أهم سوق استهلاكي لبيع كتبهم ومطبوعاتهم وتحقيق أرباح خيالية لهم. وكثير منا شهد الإقبال الكبير على معارض الكتاب في الداخل والخارج تجوس هذه المعارض تبحث وتفتش عن الثقافة وتوابعها ومستجداتها

نعيش جودة الحياة ونتفيأ ظلال رؤية مباركة دون منغصّات، فهل نشهد عودة مباركة لعصر الكتاب ونشره ودعمه من وزارة الثقافة، ونرى رفوف مكتباتها وقد جمعت عقول العالم وقدمتها لنا؟

هذا العشم ينسجم مع ما ظللنا نتابعه من حرص وزارة الثقافة على فتح النوافذ الثقافية الجديدة، من خلال استضافة العديد من الفعاليات العالمية والإقليمية الثقافية والفنية المختلفة لإثراء المشهد الثقافي وإزالة التصحر من النفوس الذى ران عليها صماخ الصحوة وقسوة سدنتها حتى أتى البشير ببشارة التدمير وأن لا صحوة بعد اليوم في وطن العيد.

آخر هذه الاستضافات مهرجان الأوبرا الدولي في العاصمة الرياض بمشاركة كوكبة من نجوم العالم بمن فيهم العرب والسعوديون الذين كانوا بعيداً عن جماليات هذا الفن الراقي. وكانت المفاجأة الأجمل في هذه الأمسية ظهور الفنانة السعودية الأوبرالية سوسن البهيتي، التي أدّت مقطوعات أوبرالية رائعة بأسلوب راقٍ مميز كنا نعتقد أننا لا نملكه. وقد أسهم المهرجان في التعريف بتاريخ الأوبرا ومسارحها الشهيرة حول العالم وتاريخ الأدوات الموسيقية.

تأتي هذه الخطوة المميزة بدعم من برنامج جودة الحياة بعد أن سود صخام الصحوة بياضها النّاصع وجعل من أفراد المجتمع خُشباً مُسندة تعيش الحياة بلا أمل، فكرها الموت والعذاب وانتظار العقاب.

نريد للكتاب أن يكون حاضراً بقوة في حياتنا، محل اهتمام ورعاية خاصة من الناشئة، وقد بعدت بهم الشقة، وتاهت خواطرهم بدداً في أودية وسائل التواصل الاجتماعي، فانصرمت أيامهم دون فائدة تجنى، أو ثقافة تحصل، وإنما هو خواء وتسطيح وتفاهات، حريّ بنا أن نضع الكتاب النوعي دونها لضمان جيل مثقف وواعٍ.