-A +A
محمد مفتي
الهجوم الإعلامي الغربي على المملكة ليس بالأمر الجديد ولا هو وليد الصدفة، بل هو هجوم متعمد تحركه بعض الدوائر السياسية من خلال عملائها في بعض المواقع والصحف، وهذا الهجوم ليس وليد اللحظة، كما قد يعتقد البعض، بل هو قديم وبشكل أصبح ملازماً لأي سياسة وقرار سيادي تتخذه الحكومة السعودية، ولا يصب في مصلحة الغرب، فالفكر الاستعماري الذي كان سائداً لقرون طويلة لا ينظر إلى الدول العربية إلا من منظار التبعية، فالغرب لا يفهم ولا يقبل سوى سياسة إملاء الشروط، ولعل المكانة الاقتصادية للمملكة ودورها الإقليمي الحريص على المصالح العربية جعلاها دائماً في مرمى نيران الإعلام الغربي.

يزخر التاريخ بالكثير من الأمثلة والمواقف التي تعرضت فيها المملكة العربية السعودية لهجوم مسعور من قبل بعض الدوائر السياسية الغربية، التي جنَّدت إعلامها وصحفها الصفراء لحشد التأييد السياسي والشعبي لتبرير عدوانها، فعلى سبيل المثال -لا الحصر- تعرضت المملكة لهجوم من بعض الدول الغربية لمساندتها مصر خلال العدوان الثلاثي عام 1956، الذي مُني فيه الغرب بخسائر سياسية فادحة، وهو الأمر الذي تكرر في عام 1967 عندما ساندت المملكة الدول المتضررة من تلك الحرب مالياً، ووقفت المملكة سياسياً واقتصادياً ضد العدوان الإسرائيلي، وهو ما تكرر لاحقاً بعد ستة أعوام فحسب في عام 1973، غير أن الهجوم على المملكة في تلك الفترة كان أشد وطأة بسبب استخدامها سلاح النفط ضد الدول المساندة لإسرائيل.


ولم يخلُ القرن الواحد والعشرون من العديد من الحوادث المشابهة، فقد بدأ القرن الجديد بأحداث 11 سبتمبر التي استغلها الغرب؛ وعلى الأخص الولايات المتحدة، ذريعةً للهجوم الإعلامي على المملكة، رغم عدم وجود أية دلائل تشير إلى تورطها في تلك الأحداث، ويسبق كل هجوم من بعض المنابر السياسية في الغرب التمهيد له من قبل بعض الأقلام المأجورة في بعض وسائل الإعلام هناك، وقد استخدمت تلك الأقلام بعض الأوضاع السابقة التي انتشر فيها الفكر الصحوي -وأثر بدوره على الكثير من مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية في المملكة- لينطلق منها في حملته لتشويه الحقائق ووسم المملكة بمجموعة من التهم كالفساد والإرهاب.

غير أنه مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان مقاليد الحكم، بدأ التحول الجذري في مسيرة الإصلاح، وشقت المسيرة الإصلاحية طريقها في المملكة، ومع تولي الأمير الشاب محمد بن سلمان ولاية العهد بدأت الأمنيات تتحول لحقائق على أرض الواقع، فبدأت سياسة هيكلة الاقتصاد السعودي من جديد ليقلل من اعتماده على عائدات النفط المتقلبة، ومن خلال هذه الاستراتيجية تم تدشين رؤية 2030 لترسم معالم المستقبل في المملكة، موضحة تفاصيل التغيرات الجذرية الجوهرية والعميقة التي يُنتوى تطبيقها خلال الحقبة القادمة.

خلال عدد محدود جدّاً من السنوات، اكتست المملكة زيّاً جديداً تماماً، بدأ بتقليم أظافر الفكر الصحوي المتطرف وأتباعه، وذلك من خلال نشر ثقافة الاعتدال وترسيخها حتى في المناهج التعليمية، ومن خلال دعم قطاع السياحة والترفيه بمجموعة من المشروعات العملاقة في جميع مدن المملكة، وأيضاً على الصعيد الاجتماعي من خلال تبني العديد من السياسات لمنح المرأة الكثير من حقوقها كالسماح لها بالقيادة وتوليتها الكثير من المناصب القيادية المهمة، وفتح أبواب العمل أمامها لتصبح شريكة أساسية في النهضة العمرانية في المملكة، كما أن شبح الفساد بات يتلقى ضربات قوية متتالية يوماً بعد يوم، وهكذا لم يعد الغرب قادراً على إيجاد ثغرة ينفذ بها للداخل السعودي ليوجه له أي نوع من النقد على أي مستوى، فلم يجد أمامه سوى الأكاذيب والادعاءات المكشوفة، فها هي المملكة لم تعد مادة صالحة للنقد ومن ثم للابتزاز.

من المؤكد أن الإصلاحات القوية والسريعة التي قام بها ولي العهد، أثارت حفيظة بعض الدوائر السياسية في الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب، ذلك أن المملكة العربية السعودية أصبحت رأس الحربة التي أصابت الهيمنة الغربية في مقتل، كما أن التوسع في تكوين تحالفات مع دول متعددة لتوطين الصناعات المختلفة، وعلى الأخص العسكرية، لا تعني إلا أن المملكة لم تعد بحاجة إلى الولايات المتحدة، وهو ما يؤرق الولايات المتحدة مما دفع الرئيس بايدن لزيارة المملكة لمدِّ جسور التعاون في محاولة لإعادة العلاقات لسابق عهدها.

إن سياسة تعدد التحالفات وبناء شراكات اقتصادية مع دول عدة مثلت ضربات موجعة للولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، مما دفع بعض أقلامها المأجورة لتشويه صورة الإنجازات التي دشنها ولي العهد في محاولة يائسة لإثارة الرأي العام الغربي والإقليمي، لكن الهجمات الإعلامية الغربية المسعورة تجاه المملكة لا تزيد المواطن السعودي إلا ثقةً في قيادته، والمواطن غيور بطبيعته على دينه ومجتمعه ولا يتقبل بأي حال سياسة الانصياع للإملاءات والشروط الخارجية، كما أنه لا يقبل أن تكون المملكة مرتعاً للحروب الأهلية والفوضى كتلك التي لحقت ببعض الدول العربية خلال العقد الماضي، وكلما زادت تلك الهجمات المسعورة ازددنا تيقناً بأن النجاحات المتتالية للأمير محمد بن سلمان وخطواته الإصلاحية هي الصخرة التي تحطمت عليها أحلام الهيمنة الغربية.