-A +A
السيد محمد علي الحسيني
تعد فكرة ترسيخ المواطنة وواجباتها وحقوقها لدى ذهنية الشعوب أحد أهم التحديات التي تواجه بلدان العالمين العربي والإسلامي، ولاسيما أن هناك قوى وأطرافا تسعى بکل ما لديها من أجل الطعن في فکرة المواطنة وحتى خلق حالة من التناقض والضدية بين الشعب وبين مؤسسات الدولة طالما هي خارج دائرتها، خصوصا في ظل ظهور أحزاب وتيارات الإسلام السياسي وکذلك الجهادي، وهو ما تسبب في مشاکل وأزمات وحالات تمزق وانقسامات ومواجهات داخلية نجد أن الشعوب العربية والإسلامية في غنى کامل عنها.

المواطنة مفهوم ترسخه الدولة الوطنية


لا أحد ينفي ما قدمته وتقدمه أو حتى تسعى إلى تقديمه الدولة الوطنية للمواطن، فإننا نجدها تسعى لتوفير الأمن الغذائي والأمن الوقائي للمواطن بالدرجة الأولى إلى جانب توفير الخدمات العامة والترفيهية وتوفير الحريات له ورفع مستوى الوعي وجعله في مستوى المشارکة في صناعة القرار وتوجيه الأمور.

ومن غير الإنصاف أن نرى المجهودات الجبارة التي تبذلها في سبيل خدمة مواطنيها رغم كل التحديات الداخلية والخارجية التي تعرقل عملية التقدم، لكنها تحقق نتائج مرضية، ومن الواجب التأكيد على أن هناك دولا عربية ضربت مثالا يحتذى به في إطلاق مشاريع تنموية تهدف جميعها لخدمة المواطن وتحسين أوضاعه كما هو الحال في المملكة العربية السعودية التي أطلقت رؤيتها التنموية الرائدة 2030، التي باتت محط أنظار العالم واهتمامه، وقد تمكنت من تحقيق أهدافها وجني ثمارها في مدة زمنية قصيرة بفعل إيمان القيادة الحكيمة بمواطنيها وثقة المواطنين بحكمة قادتهم.

تيارات الإسلام السياسي عملت على إقصاء مفهوم المواطنة لإنهاء الدول

إن التجربة المريرة التي عاشتها شعوب العالمين العربي والإسلامي، لاسيما تلك التي اکتوت بنار أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي والجهادي، جعلتها تتوجس ريبة منها وتود أن تبعد عنها بعد المشرقين، ولاسيما بعد أن باتت تعرف من خلال التجربة بأنها لا تجني من هکذا أحزاب وتنظيمات سوى المصائب والويلات، يمکن القول إنها بمثابة وعي «تجريبي» إن صح القول، والمطلوب هنا تطوير هذا الوعي الذي هو ضمن مجال ودائرة اختصاص «فقه المواطنة» وفق قاعدة تقوم على أساس أنه «کلما ارتفعت نسبة ومستوى الوعي والوطنية، انخفضت نسبة ومستوى التطرف والمذهبية»، وإن شعوب البلدان التي اکتوت بنار هذه الأحزاب والتنظيمات التابعة للإسلام السياسي والجهادي تعلم کم کان مقدار الضريبة الباهظة التي دفعتها جراء ابتلائها بوباء التطرف والمذهبية، تعلم علم اليقين بأنها بحاجة إلى دولة وطنية توفر لها الطعام والأمن والخدمات وتضمن مستقبل الأجيال الآتية.

تحديات المرحلة الراهنة تستدعي تفعيل فقه المواطنة على ضوء وثيقة مكة

إننا في هذا المقال لا نهدف إلى إثارة مسألة الولاء إن كان للدولة أم للدين، لأننا نعتقد، بل ونؤكد أنه لا يوجد انفصال وتضاد بين الجانبين، ذلك أن الإسلام کما هو معروف يقبل التعددية والإثنية، کما تجلى ذلك في وثيقة المدينة المنورة التي تعد بمثابة أول قانون مدني في التاريخ الإنساني، وکما تجلى حاليا في وثيقة مکة المکرمة وهي امتداد لها، ولا ريب أن إقرار وثيقة مکة من جانب المئات من المفتين وعلماء الأمة الإسلامية الأجلاء، قد کان بمثابة ضربة أکثر من موجعة لأحزاب وتيارات الإسلام السياسي والجهادي، ذلك أنها وضعت حدا لاستخداماتها المشبوهة للدين في أمور ومسائل لا تلحق الضرر بالشعوب المسلمة فقط، بل بالدين الإسلامي نفسه.

وهنا تزداد أهمية فقه المواطنة في الوقت الحاضر وأکثر من أي وقت مضى، لا سيما بعد أن جاء إقرار وثيقة مکة المکرمة بمثابة أرضية مناسبة لها لکونها ستسد طريق استغلال الدين واستخدامه من جانب أي کان، إذ إن المواطن المسلم سيتکون لديه بفضل التجارب التي مر بها وبفضل فقه المواطنة، درجة ومستوى عالٍ من الوعي الذي يجعله يتصدى لكل تلك الأفكار المسمومة.