-A +A
منى المالكي
«في حياتنا المعاصرة كثيراً ما يتّخذ إقصاء المرأة الكاتبة شكل التشكيك في حقيقة النص المكتوب، فالمرأة التي تكتب تجد من الطاعنين الذين يرون أن رجلاً ما يكتب عوضاً عنها، فهو بذلك «قوّام» إبداعياً عليها. هذا ما أكدته رجاء بن سلامة في كتابها «بنيان الفحولة، أبحاث في المذكر والمؤنث» فهناك فوارق بين المرأة والرجل نتيجة نظام اجتماعي تراتبي توافق على إقصاء المرأة باعتبارها كاتبة. واعتبرت هذا النظام مقاوماً لكتابة النساء بطرق ثلاث: «إما أن ينكر أنّ الشاعرة امرأة، أو أن ينكر أنها شاعرة، أو أن ينزل بها العقاب».

وهنا تظهر أسئلة مهمة تعود بنا إلى الصراع بين المرأة وفعل الكتابة فلا يمكن تقبّل فكرة إبداع المرأة بل والطريف أن يكون هذا الاتهام بعدم القدرة على الكتابة وأن هناك خلف الستار رجلاً يكتب عن المرأة. هذا الاتهام يأتي من امرأة أيضاً وكأن المجتمع قد تواصى على الظلم والإجحاف!


من هذه الأسئلة المهمة لماذا ظلّ الالتفات إلى التجارب الشعرية النسائية في المدونات النقدية الحديثة وحتّى القديمة نادراً جدّاً؟ لماذا عجزت المرأة الشاعرة عن تسيُّد المشهد الثقافي رغم ولادة أسماء شعريّة كبيرة في تاريخنا الشعريّ المعاصر؟ هل السبب يعود إلى نتيجة اطمأن إليها التاريخ البشري سلفاً بأن هذه الأصوات مهما علت تظلّ في نظر مجتمعاتنا أصواتاً قاصرة غير جديرة بأن تُعامل بندية أمام تجارب شعرية ذكورية.

وهذا يعود بنا إلى التهمة الجاهزة النسوية فما الذي تعنيه عبارة الشعر النسويّ؟ ماذا نقرأ بين حروفها أهو اتهام ضمني بعدم قدرة المرأة على إنتاج شعر يُعادل أو يفوق ما يُنتجه الرجال شعريّةً ؟ لماذا تتعالى الأصوات احتجاجاً على نتيجة مسابقة فقط عندما يُسندُ المركزُ الأوّلُ لأنثى مثلاً؟

لننتقل إلى نقطة أكثر حساسية لصيقة بالمرأة ذاتها حين تكون على موعد بالاختيار! بين أن تكون شاعرة أو مبدعة أو كاتبة وبين أن تبتعد عن الكتابة ذلك الفعل المدنس الذي لا يتوافق وطبيعة الأمومة مثلاً ! نلحظ هذا الصراع الذي تعيشه المرأة المبدعة في رواية «حليب أسود» للروائية التركية اليف شافاق التي تكشف عن معاناة لا يقدرها بل ولا يلحظها أحد وعن ذلك الصراع الذي يدور في عقل وقلب كل امرأة كاتبة وكأن من قدر المرأة الدائم الاختيار بين أمرين أحلاهما مر! تقول الشاعرة الفلسطينية حنين جمعة في قضية صراع الاختيار

«أنا لن أختار بينهما يوماً. الكتابة هي الحب والحب هو الكتابة. لكن هناك الكثيرات ممن يقدم لهن الحب بشرط الكتابة، وهنا أنا أعني الحب بكل ما يمثله للمرأة من أمان واستقرار ودفء الحب في مفهوم البعض مقترن بالملكية أما الكتابة فهي الحرية».

القضية شائكة ومعقدة لكن المثير هو إصرار المرأة على الكتابة!