-A +A
أسامة يماني
معنى كلمة عقيدة «الاعتقاد هو الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده. والجمع: عقائد. وتعنى ما عقد الإنسانُ عليه قلبه جازماً به من الأفكار والمبادئ؛ فهو عقيدة، سواءٌ؛ كان حقاً، أو باطلاً، وتستخدم الكلمة للإشارة إلى الاعتزاز برأي معين». وهي كلمة تقابل مصطلح أيديولوجيا التي تعَرّفها الموسوعة العربية العالمية بأنها «منهج في التفكير مبني على الافتراضات المترابطة والمعتقدات وتفسير الحركات أو السياسات الاجتماعية، وقد يكون محتواه دينياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو فلسفياً. وكلمة عقيدة مشتقة من فعل عقد ويُقال (عقد الحبل) أي: شدّ بعضه ببعض، والاعتقاد: من العقد وهو الربط والشد، يقال: اعتقدت كذا، يعني: جزمت به في قلبي، فهو حكم الذهن الجازم». في حين أن كلمة أيديولوجيا مشتقة من اسمين «أيديا» وتعني فكرة، «ولوجوس logos» وتعنى حرفيا «كلمة» ولكنها تعني «دراسة» أو «علماً». وقد استخدم المفكر المغربي الدكتور عبدالله العروي (وآخرون) فعل «يؤدلج»، كمدلول لكلمة أيديولوجيا.

الرأسمالية أيديولوجيا تمكّنت من تجديد نفسها إلا أنها الآن في أزمة عميقة بالرغم من اتكائها على الثورة العلمية والتقنية، ولا يصح أن ننسى صورتها البشعة التي كانت وراء كل داء للبشرية؛ فتجارة العبودية صنعتها الرأسمالية في أبشع صورها. والاستعمار هو نتاج من الرأسمالية البشعة. واليوم نشهد بداية نهاية هذا الطغيان المُتجسد في تصور الليبرالية بشقها الاقتصادي المتجسد في الرأسمالية، وبشقها السياسي المتمثل في الديموقراطية. جورج سورس الملياردير الأمريكي من أصول مجرية، الذي يبلغ صافي رأسماله 8.6 مليار دولار أمريكي حتى مارس 2021، ويعتبر أحد مؤيدي القضايا السياسية التقدمية والليبرالية، وهو يقدم لها تبرعات من خلال مؤسسته، مؤسسات المجتمع المفتوح. كتب مقالاً جاء فيه: إن بوتين شن حربه ضد أوكرانيا بعد تلقي الضوء الأخضر من الرئيس الصيني في محاولة من روسيا لاستعادة الإمبراطورية الروسية القديمة. لكن يبدو أن كلا الزعيمين أساء الحكم على الوضع، مما زاد من احتمالية وقوع كارثة عالمية ما لم تتم إزاحتهما من السلطة.


هكذا الليبرالية ترى أن الحل يكمن في الانقلابات والفوضى وإزاحة القادة الوطنيين عن سدة الحكم والإطاحة بهم.

إن الهيمنة العالمية للنموذج الرأسمالي أحد أهم التغيرات العصرية البارزة التي شهدها العالم، فحرية الصحافة والإعلام تحركها المصالح الرأسمالية بعيداً عن الحيادية والموضوعية. وحقوق الإنسان شعار برّاق يسقط أمام المصالح الغربية، وشاهدنا ذلك في أفغانستان وفلسطين والعراق وغيرها من الأمثلة التي يطول سردها. والاقتصاد الرأسمالي يعمل لصالح المكينة الاقتصادية الغربية، التي تعيش وتقتات من نهب ثروات البلدان النامية. العنصرية والفوقية تظهر بوضوح في كل موقف يتعلق بمصالحهم. الخروج عن القوانين الدولية جزء لا يتجزأ من الأيديولوجية الاستعمارية التي بثتها وضمنتها مؤسساتها المدنية لتخفي حقيقة الوجه البشع لهذه الرأسمالية المتوحشة.

والواقع أن الأيديولوجيات لا تستطيع في واقعها أن تتعايش، ولهذا نجد أن الرأسمالية وخاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي دعمت الأجندة النيوليبرالية، فالحرب والعولمة مرتبطتان بطريقة متشابكة، وتصب في خدمة مصالح النخب المالية والاقتصادية، ومن ضمنها: مصالح «وول ستريت»، ومجمّع الصناعات العسكرية، وشركات النفط الكبرى، وتكتلات التقنيات الحيوية، وصناعة الأدوية، واقتصاد المخدرات العالمي، وتكتلات الإعلام. لهذا دخل العالم في صراعات متعددة ابتداءً من الحرب الباردة إلى الثورات والحروب الأهلية والفوضى الخلاقة وحرب فيتنام وغيرها من حروب راح ضحيتها ملايين البشر وزادت العالم فقراً وحاجة.

إن هذه الأيديولوجية المتوحشة سوف تتخلص من توحشها بإعادة توازن القوة الاقتصادية العالمية بين الغرب وآسيا. حيث لأول مرة منذ الثورة الصناعية، تتقارب معدلات النمو في آسيا من مثيلتها في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية، بعد أن كان ميزان القوة يميل لمصلحة الغرب. ففي عام 1970 كان إنتاج الغرب 56% من الناتج الاقتصادي العالمي، بينما إنتاج آسيا 19% فقط، أما اليوم فقد تحولت هذه النسب إلى 37% و43% على التوالي، ويعود الفضل في ذلك في جزء كبير منه إلى النمو الاقتصادي المتسارع لدول مثل الصين والهند.

في 2010 قال «أنوب سينغ» رئيس صندوق النقد الدولي في آسيا إنه بحلول عام 2030 سيكون اقتصاد آسيا أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما أن حصة المنطقة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ستزداد من نحو 30% إلى أكثر من 40%.

يقول الاقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر صاحب النظريات المعروفة حول «التأرجح الاقتصادي» في كتابه: «هل تستطيع الرأسمالية البقاء؟» ويرى فيه أنه سوف تتعاظم أشكال الاستياء من المنظومة الرأسمالية حتي يصل بها الأمر إلى «التدمير الذاتي». كلما بدا أكثر أن النظام يعمل فقط لفائدة أولئك الذين في القمة، سيواجه المزيد من المشاكل في الحفاظ على الشرعية الديمقراطية.

ونخلص إلى أن إعادة التوازن لهذا العالم سوف تحد من هذا الفكر الأيديولوجي بشكله المتطرف الذي هيمن وطغى على العالم بدون رادع أو ضمير. العالم الآن يعيش بزوغ فجر جديد. لأنه لا يستطيع أن يظل رهيناً لهذا الفكر الأيديولوجي المتطرف الذي لا بقاء له كما يقول التأريخ.