-A +A
محمد مفتي
تميزت السياسة الإعلامية للعديد من الدول، بما فيها الدول العظمى، بالمراوغة السياسية وانتقاء الخطاب الإعلامي بما يتفق مع توجهات الأحزاب الحاكمة في تلك الدول، تلك التصريحات التي قد تكون في كثير من الأحيان مجافية للحقيقة، غير أن إطلاقها قد يؤثر في مدى مصداقية رئيس الدولة وحكومته وحزبه، مما يدفع تلك الدول إلى سياسة «المكياج الإعلامي» من أجل كسب ثقة الناخب، ولعل ثورة الاتصالات الحديثة قد انحازت لجانب المواطن في أي دولة حيث تنوعت مصادر المعلومات وأصبح بإمكانه متابعة الكثير من الأحداث وقت حدوثها على الفور وبشكل دقيق.

من المؤكد أن أحد أهم دوافع المصداقية التي تتمتع بها حكومة المملكة العربية السعودية في الداخل والخارج هو الرغبة في إعلان الحقائق كما هي دون تزييف أو تجميل، وفي ظل التنمية السريعة والمتلاحقة للقطاعات المختلفة بالمملكة التي تبناها الأمير الشاب محمد بن سلمان، كان سموه حريصاً على تحري المصداقية في التصريحات المتعلقة بأداء الحكومة السعودية في شتى المجالات، ومهتماً بأن تكون التصريحات مقرونة بالإنجازات الفعلية، لعلمه ويقينه بأن الصدق متكامل لا يتجزأ، وأن الشفافية هي عنوان رؤيته الطموح.


اتسم الحوار الذي أجرته مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية مؤخراً مع الأمير الشاب بالصراحة والشفافية؛ فلم تُترك علامة استفهام واحدة دون أن يتم الإجابة عنها مهما بدت حساسة أو شائكة، فالمملكة ليس لديها ما تخفيه وقد نفضت عنها ثوب الشائعات المغرضة، وقد برهن الأمير بأن شعار المملكة هو أن الفعل بات يسبق القول، ولم تعد هناك ازدواجية تضطر المسؤولين للمراوغة، كما أن المواطن قد أصبح قادراً على متابعة كل ما يدور حوله لحظة بلحظة.

اعتادت الدبلوماسية العالمية بل والإقليمية منهج التدليس والمراوغة والتهرب من الإدلاء بالتصريحات الحقيقية، وهو ما كان ينتج عنه بطبيعة الحال موقفاً ضبابياً يلف غالبية المواقف السياسية لتلك الدول، وقد ظلت بعض القضايا الشائكة في المملكة ولعقود مضت تتسم بالحساسية إلى الحد الذي يمكننا وصفه معها بالقدسية، وقد كان مجرد مناقشتها أشبه بالحلم الذي يتمناه كل مواطن، كقضايا الحد من الفساد، وحقوق المرأة وتوطين الصناعات وغيرها، ولعل هذا التوجه السابق شديد المحافظة هو ما دفع بعض الدول الغربية للنظر للمملكة بعين الاتهام.

كثيرة هي القضايا التي شهدت ثورة حقيقية وتمثل عصب الحياة في المملكة، ومن أهمها قضية التطرف الديني، فحتى وقت قريب كانت بعض الأمور الاجتهادية -والتي لا تخرج عن كونها أقرب للعادات والتقاليد الراسخة- أشبه بالدستور المقدس الذي لا يمكن مناقشته، وقد تهشمت تلك الظاهرة على صخرة التنمية والتطوير التي أطلقها الأمير الشاب، ولعل الشباب من صغار السن لا يدركون كثيراً حجم التغير الذي حدث للمملكة، والسبب في ذلك هو أن كبار السن قد عايشوا فعلياً مرحلة التيار الصحوي الذي كان مسيطراً على كافة مناحي الحياة لعقود خلت، فارضاً العديد من التشريعات التي لا أساس لها إلا في أذهان من تبنوا هذا التيار.

النهضة الحقيقية والمتسارعة في المملكة التي انطلقت خلال السنوات القليلة الماضية لا يدركها ولا يعي حجمها إلا المواطن والمقيم على أرض المملكة، فليس من رأى كمن سمع، وقد جعل الأمير الشاب الصراحة هي عنوان إنجازاتنا، وبات كل مواطن يدرك أن أمنه وحقوقه من الأمور التي لا يمكن المساس أو العبث بها، وأن الفكر الصحوي المتشدد قد ذهب إلى غير رجعة وأصبح جزءاً من الماضي.

ولعل إحدى القضايا الشائكة المزمنة التي استمرت لعقود هي العلاقة مع إسرائيل، وهذه العلاقة المعقدة بحاجة إلى توضيح كون السياسة الإعلامية والفعلية للعديد من الدول العربية الأخرى تتسم بالمراوغة، غير أن إسرائيل أصبحت واقعاً لا مفر منه، وقد باتت الآن أقرب للحليف منها للعدو، وهذه السياسة لا تنفرد بها المملكة فقد سبقها إليها الفلسطينيون أنفسهم والعديد من الدول العربية والإقليمية أيضاً، وقد ركز الأمير الشاب على أن التعامل مع إسرائيل يجب أن يتم في المقام الأول بحيث يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، ونحن بحاجة الآن لوقفة نعيد فيها دراسة التاريخ مرة أخرى وفقاً للعديد من المستجدات الحالية، ويحق لنا أن نتساءل عن جدوى المقاطعة العربية خلال العقود الماضية وتأثيرها على فرص السلام بالمنطقة.

وفيما يتعلق بالملف الإيراني أكد ولي العهد على رغبة المملكة الحقيقية في مد يد السلام لإيران بشرط التزامها بما سوف تتعهد به، لقد كان حوار الأمير الشاب ثرياً بحق، تناول بمصداقية أكثر القضايا الشائكة التي تعصف بعالمنا وبمنطقة الشرق الأوسط تحديداً، لم يدخر خلاله الأمير جهداً في التأكيد مراراً وتكراراً على سيادة واستقلال قرارات الحكومة السعودية، موضحاً أن أولويات المملكة ومصالحها هي المحك الرئيسي في علاقاتها الخارجية، بغض النظر عن إرضاء أطراف معينة من عدمه.