-A +A
صدقة يحيى فاضل
سبحان من لا يبقى سواه، سبحان الخالق البارئ المقدر لأحوال وأرزاق وأعمار عباده، سبحان من جعل بقاء كل خلقه في هذه الحياة مؤقتاً. فأي شخص لا بد يوماً على الاكتاف محمول، وبعمله إلى مثواه الأخير، تحت الأرض. اللهم، لا اعتراض على ما شئت وقدرت.. ولكن رحيل أي عزيز يؤلم محبيه، ويحزنهم، ويدفعهم دفعاً لتذكر النهاية الحتمية لكل مخلوق، وذرف دموع الأسى والندم والفقد. نعم، كل نفس ذائقة الموت. فكل إنسان يحمل في ثناياه بذرة فنائه التي تؤدى به، ذات يوم، إلى القبر. ورحيل أي إنسان عن هذه الدنيا، لا بد أن يحزن أهله، ومعارفه ومحبيه. وبقدر ما يكون الراحل إيجابياً ومنجزاً، ومفيداً، ومحبوباً، بقدر ما يكون الحزن عليه كبيراً. ولا شك أن الناس يتفاوتون في التحلي بهذه الصفات.

وهناك أناس كانوا أكثر تأثيراً، وإيجاباً وفائدة من غيرهم، بالنسبة لأهليهم، وأصدقائهم، ومعارفهم. إضافة إلى وطنهم ومجتمعهم. ولو كانت هناك، في كل مجتمع، قائمة بأسماء هؤلاء الأفاضل الراحلين، لوجدنا قلة في كل مجتمع تحظى بإدراج اسمها في قائمة الشرف هذه. وفي مجتمعنا الكثير من الراحلين، على مرّ الأيام، الذين يستحقون أن تكتب أسماؤهم بماء الذهب في هذه القائمة. ومن أولئك الراحل الدكتور سليمان إبراهيم توفيق مكي، رحمه الله، وطيب ثراه.


****

رغم تسليمنا بالقضاء والقدر، إلا أن الحزن خيم علينا عنوةً من صدمة سماع وفاة هذا الرجل النبيل مؤخرا، الذي خدم بلاده في مواقع عدة، آخرها؛ قبل تقاعده، أستاذاً مرموقاً في جامعة الملك عبدالعزيز، التي ابتعثته عام 1976م للحصول على درجة الدكتوراه، لقسم العلوم السياسية، الذي كان أحد مؤسسيه، وأحد أبرز أساتذته، وباحثيه. أجاد سليمان توفيق في كل ما قام به من أعمال؛ إذ امتاز بأخلاقه الرفيعة، وحسن تعامله، ومحبته لكل من حوله. إضافة إلى ما حظي به من ثقافة واسعة، وفكر نير، ليس في مجال تخصصه العلمي، وحسب، بل في كل المجالات، الأمر الذي وضعه في خانة «المفكر» السياسي المبدع. وقد كتب كثيرا، ولكن معظم كتاباته لم تنشر.

كان، رحمه الله، من أكثر الأساتذة الجامعيين المحبوبين من قبل طلابهم، وزملائهم، وكل من عرفه. وشخصياً، فقدت برحيله، أحد أعز وأقرب وأحب أصدقائي. وإنساناً من خيرة من عرفت. إضافة إلى أنى تعلمت منه الكثير، سواء في مجال تخصصنا، أو غيره. ولعل أبرز ما تعلمته منه هو فن «التعايش» الذي كان من أبطاله، وأساتذته. كنت أحرص على مجالسته، لأنهل من علمه وثقافته، و«أصحح» المعوج من أفكاري، عبر إثارة النقاش معه، في نقاط لنا فيها اهتمام مشترك. وكنت أخرج من كل نقاش معه بجديد مفيد. رحم الله سليمان إبراهيم توفيق، ورحمنا عندما نصير إلى ما صار إليه. وستظل ذكراه حية في أذهاننا، بما تركه لنا من علم وفكر، وسيرة عطرة. إنّا لله وإنّا إليه راجعون.