-A +A
محمد الساعد
لطالما فاخر حسن نصر الله قائد حزب الله الإرهابي بمنظومته الأمنية، وكثيراً ما استعرض قدرات حزبه -التي لا تقهر- أمام ضيوفه في مخبئه السري جنوب العاصمة اللبنانية بيروت.

من يتذكر تصريح حسن نصر الله وهو سعيد بمشاركته في الحرب الحوثية ضد السعودية قائلا: «إنها أعظم الحروب التي خاضها»، حين قالها كان مزهوا معجبا بنفسه متناسيا أن أي تنظيم مهما كانت إمكاناته لا يستطيع الانتصار على دولة، وما بالنا بدولة بحجم السعودية.


ويبدو أن حسن نصر الله أسقط من حساباته الحرب التي ادعاها دائما ضد إسرائيل، والتي لم تكن سوى خارطة طريق للاستيلاء على القرار اللبناني، ولمزيد من التسلح على حساب الجيش اللبناني، وتبريرا لأفعاله خارج سلطة القضاء والنظام والسياسة والسيادة اللبنانية هذا إذا بقي منها شيء.

اليوم تفرج الرياض عن لقطات سريعة لقيادي في حزب الله يقوم بنفسه بتفخيخ طائرات مسيرة، ويشرح حرب الحديدة ودور الحزب فيها. التسريب جزء صغير جداً من مخزون هائل من الوثائق والمصورات والفيديوهات التي تتملكها السعودية لشبكة حزب الله التي تقود من اليمن المعارك ضد الفضاء العربي، والشعب اليمني، وضد السعوديين تحديداً.

حجم المعلومات كبيرٌ جداً والسعوديون حرصوا على عدم المساس بمصادر معلوماتهم وبقائها في مأمن من المؤسسة الأمنية الإرهابية لحزب الله التي تسيطر مع الإيرانيين على مفاصل القرار الحوثي تماماً.

التسجيل قد تلحقه تسريبات ومنشورات أوسع، متى ما قدّرت قيادة التحالف العربي أن ذلك في صالح العمليات التي توسعت كثيراً بسبب تعنت الحوثيين واندفاعهم وراء طلبات وتوجيهات طهران وحزب الله.

التورط يفرز أسئلة كثيرة عن انعكاسات الكشف السعودي على الحالة اللبنانية بشكلها الحالي (حزب الله ومحازبوه ومؤيدوه وعملاؤه السياسيون والمنخرطون في مشروع دولة إيران في لبنان)، وكذلك يعطينا إجابات واسعة كان الكثيرون حيارى أمامها خلال الأسابيع الماضية بدءا من تصريحات قرداحي وليس انتهاء بوساطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واليوم قد نفهم قليلاً لماذا لم يستطع ماكرون إحداث اختراق في الموقف السعودي من لبنان في زيارته الأخيرة لجدة.

فالأدلة السعودية -ضد حزب الله- تدفع أي وسيط للتراجع عن محاولاته وهو يرى أن الحزب متورط إلى أقصى درجة في الحرب ضد السعودية، بل هو من يدفع لمزيد من التصعيد وضرب الأعيان المدنية السعودية عن طريق مقاولهم من الباطن (الحوثيين).

لم تستيقظ الرياض يوما ما لتقول نريد أن نعادي حزب الله، أو نوقف التعامل مع لبنان، لأن مزاجها السياسي كان سيئا ذلك الصباح، بل لأن لبنان بكل أركان الدولة اللبنانية لم يستطع ضبط تصرفات حزبه المدلل، بل إن الكيل فاض بالأدلة الدامغة، ولم يعد هناك مجال أمام السعوديين إلا الحفاظ على أمنهم أمام أي تهديد، وعلى المعتدي أو الساكت عنه دفع الثمن غالياً.

حالة الاختراق السعودية لمنظومة حزب الله في اليمن تؤكد ما يلي..

أولاً: أن حزب الله يتشكل من منظومة هشة ومضعضعة على عكس الدعاية الرخيصة التي سوقها الحزب طوال السنوات الماضية، وأن كل تهويله وتعظيم أفعاله ما هو إلا نتاج الآلة الإعلامية التي صورته بغير صورته الحقيقية.

ثانياً: القرار السعودي بالكشف عما لديه من أدلة عن تورط حزب الله في اليمن يعطي إشارة إلى أن الإجراءات السعودية المتخذة في الأشهر الماضية لم تكن سوى وجبة صغيرة سيتبعها سيل من الإجراءات التي على لبنان الإيراني تحمل تبعاتها.

ثالثا: تورط حزب الله قديم وليس حديثا، ولا تعاطف يقدمه الحزب للحوثي، شقه الثاني في منظومة الإرهاب، بل أعمال عدائية مستمرة منذ عدة سنوات، ودليله الحوار عن معركة الحديدة.

رابعاً: تأكيد تورط الأمم المتحدة في الحفاظ على الجيوب الأمنية للحوثيين والدفاع عنها بحجج إنسانية.

خامساً: في اليمن.. أعطى حزب السيد الإيراني للسعوديين أعظم الهدايا، بتأكيد انخراطهم في الحرب اليمنية وتحالفهم مع إرهاب الحوثيين، وتورطهم في دماء السعوديين، ويا لها من رسالة للمجتمع الدولي، تؤكد أن السعوديين يواجهون إرهاب إيران وأدواتها في المنطقة.

سادساً: يجب أن يتقبل الحزب انكشافه الاستخباراتي فقد ترك السعوديون الخطب الرنانة لحسن نصر الله، وتفرغوا لتعريته أمام العالم وأمام محازبيه، وما سيتبعها من اهتزاز ثقة حواضنه الشعبية في لبنان.

وأخيراً فإن الموقف الخليجي الداعم للسعودية والاصطفاف معها لم يأت مجاملة، ولا لأن الخليجيين يجاملون الرياض على حساب بيروت، بل لأنهم اقتنعوا بالدلائل السعودية عن فداحة تورط حزب الله وتغوله في دماء التحالف العربي وسعيه لتحويل اليمن العربي إلى اليمن الفارسي.