-A +A
منصور المرزوقي
تحولت مقاربة التحالف العربي، بما يتمثل في: رفع الحصانة عن الأعيان المدنية التي عسكرها الحوثي، استهداف سلاح الحوثي المزروع فيها، ارتفاع عدد الأهداف واتساع نطاقها الجغرافي.

فهل هو تحول إستراتيجي؟ أم تكتيكي؟ وما سياقه؟ وما انعكاساته على الأزمة؟


تُعرّف «الإستراتيجية» بأنها خطة تشمل تعريف الغايات، ووضع قائمة أهداف لتحقيقها، وتحديد وسائل تنفيذ للأهداف، مع وضع قائمة مخاطر وخطة للتعامل معها. والتحول الإستراتيجي لا يكون إلا بتغير الغايات.

وعليه، فالتحول تكتيكي، على مستوى الأهداف والوسائل، إذ لا تزال الغايات ثابتة: دعم عودة الحكومة الشرعية، ودعم عمل مؤسسات الدولة اليمنية، ومكافحة التغلغل الإيراني من خلال أدواته الحوثية، واحتواء الخطر العابر للحدود (الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية).

ورؤية التحالف هي أن الحل سياسي، والحوثي جزء من اليمن ويمكنه لعب دور، ولكن وفق ثقله الديموغرافي ودون سلاح. والتعامل مع الخطر العابر للحدود يتم وفق: تطوير القدرات الدفاعية، رفع كلفة تهريب السلاح وتخزينه واستخدامه على المليشيات، والضغط عليها عسكريا لاستنزاف مخزونها منه، وإقامة الردع.

هكذا، يتحول الخطر من إستراتيجي إلى تكتيكي، بما يشبه عمليات الذئاب المنفردة (إرهابي يهجم على سوق، مثلا). تتعامل الدولة معه من خلال قدرات استباقية وخطوط دفاعية واستخباراتية وأمنية، وتتعايش مع وجوده مع ثقتها في القدرة على التعامل معه.

تلقى الإيرانيون عدة نكسات إستراتيجية. الأولى في منطقة جنوب القوقاز بعد حرب حليفتهم أرمينيا مع خصمهم أذربيجان. فأرمينيا خسرت الأراضي الواقعة على حدود إيران الشمالية، لصالح أذربيجان. وقد توافقت موسكو وأنقرة، بمعزل عن طهران، على ترتيبات أمنية لتلك المنطقة. بالإضافة، زاد نفوذ روسيا وإسرائيل هناك. والأقلية الإيرانية ذات الأصول الأذرية تعارض دعم النظام لأرمينيا. وبعد الحرب، أصبحت أذربيجان على حدود المناطق الأذرية في إيران. لذلك، تكافح طهران لحشد قدراتها الأمنية والعسكرية على الحدود مع أذربيجان.

ثانيا، خسرت المليشيات العراقية الموالية لإيران الانتخابات، مما وضعها في مواجهة مع الدولة العراقية، والقوى الفائزة، والشعب الذي صوت ضدهم. وتعبّر المحاولة الفاشلة لاغتيال الكاظمي عن أزمة إيران ومليشياتها هناك.

والثالثة هي تعقيدات الوضع في سوريا، حيث اضطرت طهران لإخلاء مواقع لها (مثل مطار التياس)، مع ازدياد التنسيق الروسي الإسرائيلي على حسابها.

رابعا، أزمة عاملها في بيروت (حزب الله الإرهابي) وغياب أفق الحل هناك.

كل هذا يضغط على موارد طهران ويضعف من موقفها إقليميا ومن شبكة مليشياتها الإرهابية الداعمة للحوثي. ودوليا، فقد حرر الانسحاب الأمريكي الكارثي من أفغانستان بعضا من قدراتها التي كانت مكبلة هناك، لكنه خلق مشاكل تجعلها بحاجة لشركائها الذين تتغطرس في التعامل معهم. أيضا، انتهت الإدارة الأمريكية مما أسميه «السنة الانتقالية»، وهي السنة التي يقضيها خبراء الإدارة في شرح الوقائع الجيو - إستراتيجية والجيوسياسية لقيادات البيت الأبيض لإيقاظها من أوهام «فصل الانتخابات السخيف».

أيضا، يستنزف التصعيد بين روسيا والناتو في أوكرانيا طاقات الغرب. وذلك يضعف من قدرة بعض الدول على استخدام الأزمة اليمنية كورقة مقايضات، كما حصل في معركة الحديدة. بالإضافة، تضغط هذه الأزمات على أسواق الطاقة، فيبرز دور المملكة.

نجح التحالف العربي في اختراق وتجنيد قيادات حوثية، مما أضاف عناصر مهمة لبنك أهدافه العسكرية. كذلك، المليشيات مستنزفة في جبهة مأرب. بالإضافة، هناك خلافات في داخل مليشيات الحوثي، تتمثل في:

- المعارضين لهيمنة الحرس الثوري وإملاءات قيادات حزب الله.

- الغاضبين من تهميشهم عند اقتسام الأموال.

- القائلين ببدء انحسار تحالفات مليشيات الحوثي وشركائها في الانقلاب.

في هذا السياق، يلعب الضغط العسكري لقوات التحالف العربي دورا مهما في تعميق هذه التحولات والخلافات ووضعها في الواجهة.

لا يعرف الحوثي كيف يعيش في بيئة الحل السياسي. ومصالح قياداته مبنية على حالة الحرب. وسيطرة الأيديولوجيا لا تسمح له بالتعاطي مع الواقع، بل تفرض عليه الإنكار والعيش في عالم موازٍ؛ لذلك، لا يبقى سوى الميدان العسكري. فمن المرجح ألا يكون لهذا التحول في مقاربة التحالف العربي أثر على موقف الحوثي من السلام إلا إذا تحول الاحتدام في المواجهات من تخوم مأرب إلى تخوم الحديدة.