-A +A
هيلة المشوح
تحت مظلة رؤية 2030 واستكمالاً للمنجزات المتتالية في المملكة أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي عن إنشاء مدينة أوكساچون كأكبر تجمع صناعي عائم في العالم وبتصميم فريد وتقنيات تشكل مركزاً للصناعات النظيفة وصافي انبعاثات (صفر)، وقد سبق هذا الإعلان بأسبوع تأسيس مبادرتين للمناخ بـ 39 مليار ريال تساهم السعودية بـ 15 % منهما، ومبادرة عالمية تساهم في تقديم حلول الوقود النظيف لتوفير الغذاء، لأكثر من (750) مليون شخص بالعالم وذلك خلال افتتاح أعمال قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وتأتي هذه المبادرات إيماناً بأهمية العمل الجاد من أجل تخفيف الأضرار النابعة من تغير المناخ على سطح الأرض.

تتزامن جهود المملكة بشأن المناخ مع انعقاد مؤتمر «كوب 26» في مدينة جلاسكو الأسكتلندية الذي بدأ منذ 31 أكتوبر الماضي حتى 12 نوفمبر الجاري، وهو مؤتمر يحظى باهتمام بالغ برعاية أممية تتبع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على كوكب الأرض والتباحث حول تبعات هذا التغير من كوارث إنسانية واقتصادية تهدد البشرية من أجل مواجهة تحدي تقلبات المناخ وطرح الحلول والمبادرات التي تسهم في تسريع جهود حماية البيئة والتنوع البيولوجي، وقد اختتمت أعمال المؤتمر بعد ترشح دولة الإمارات الشقيقة لاستضافة أعمال الدورة 28 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة.


خلال القرن الـ21، أصبح النزوح البشري بسبب الكوارث وتغير المناخ أحد التحديات العالمية التي تؤثر على البلدان ذات الاقتصادات العالية أو المتدنية على حد سواء، وباتت التقلبات المناخية القاسية سبباً أولياً في إخلاء مناطق كثيرة على مستوى العالم لتنتقل الإشكالية المناخية إلى إشكالات ديموغرافية واقتصادية تستوجب المبادرات العاجلة من الدول الكبرى، فعلى سبيل المثال وبعد صيف من موجات الحر والجفاف وحرائق الغابات في أجزاء من الولايات المتحدة وأوروبا، أدت الفيضانات التي سببتها العواصف إلى عمليات إجلاء في إيفيا واليونان وكاليفورنيا خلال شهر أكتوبر الماضي فقط، ووفقاً لأرقام مراكز المراقبة والرصد للنزوح العالمي فهناك 54 مليون شخص عاشوا في حالة نزوح داخلي حتى نهاية عام 2020، وأكثر من 30 مليون شخص أجبروا على ترك منازلهم وأراضيهم وتغيرت حياتهم ودخولهم بسبب تغير المناخ وتحولاته التي حالت بين الإنسان وتكيفه مع البيئة، بل إنه من المتوقع -بحسب البنك الدولي- أن يجبر تغير المناخ أكثر من 200 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على النزوح الداخلي بحلول عام 2050، وتضاعف الأرقام خلال السنوات المقبلة في حال لم تتظافر الجهود الدولية لاتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لآثار تغير المناخ.

مسألة المناخ ليست بالأمر الذي يمكن تجاهلة أكثر من ذلك، والقلق المتعلق بمتغيرات المناخ ونتائجها لم تعد تتعلق بالظواهر الطبيعية فحسب، بل أصبحت معضلة النزوح أمراً يثير مخاوف العالم، فعطفاً على مخاوف مديرة مركز رصد النزوح الداخلي ألكسندرا بيلاك فإن حجم (النزوح) في جميع أنحاء العالم هو بالتأكيد مدعاة للقلق، وكذلك الخطر الحقيقي المتمثل في أن الاحترار العالمي سيؤدي إلى أحداث مناخية أكثر تواتراً وشدة يمكن أن تقلب حياة الناس رأساً على عقب، ووفقاً للمركز ذاته فإنه من الصعب رسم صورة دقيقة ومتسقة للنزوح المرتبط بأحداث بيئية ومناخية بطيئة الحدوث بسبب النطاق الواسع للظواهر المناخية والتأثيرات والمحركات وأنواع الحركة التي تثيرها والمناطق التي تؤثر فيها ولكن تفاقم حركة النزوح أمر ثابت ومؤكد.

هناك مناطق كثيرة في العالم عرضة للتغيرات المناخية على المدى القريب والبعيد، وهناك صياغات غير مطمئنة لبيانات المؤتمرات الخاصة بالمناخ ومعضلة الاحتباس الحراري فإن لم تتعهد بعض الدول تعهداً ملزماً بالتخلي عن الفحم ومعالجة النفايات الصناعية وتقليص الانبعاثات الغازية كغاز الميثان وأكسيد النيتروجين وغيرها فإن العواقب وخيمة على حياة البشر، فإضافةً إلى لجوء بعض الدول لإزالة الغابات وحرق الوقود الأحفوري فإن هذه الأنشطة وغيرها قد ساهمت في زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون بأكثر من الثلث منذ بدء الثورة الصناعية ما تسبب بشكل مباشر في تفاقم عملية الاحتباس الحراري التي أدت بدورها إلى كوارث مناخية تعد أكبر المهددات لحياة البشر على الكوكب إذا علمنا أن الكوارث التي نجمت عن الأخطار المتعلقة بالطقس وأعداد النزوح البشري القسري الذي أسفر عنها بأنه أكثر من ثلاثة أضعاف العدد الذي خلّفته الحروب والصراعات والأسلحة الفتاكة!