-A +A
ريهام زامكه
أعذروني إن لم أكن اليوم كما عهدتموني، فلا أخفيكم أنا لا أحب الحزن ولا الحديث عن الفراق، ولكن أكثر ما يفزعني في هذه الدنيا هي (أخبار الموت)، خصوصاً إن جاء دون سابق موعد وأخذ من أحبهم.

كان النهار حزيناً جداً، وقد تألمت كثيراً حين وصلني نبأ وفاة العم العزيز «غازي علي»، الموسيقار الكبير بمقامه ومكانه في قلبي.


تعودت منذ أن عرفت العم غازي على السؤال عنه والاطمئنان عليه من وقت لآخر، وكنت أهاتفه في بعض الأحيان و(أدندن) معه بأغانيه لأونسه وكان -رحمه الله- يتحمل (نشاز صوتي) بصدرٍ رحب، وكان يقول لي دائماً أنه يحب مقالاتي الساخرة ويقرأها باستمرار ويستمتع بها، وكنت حين أكلمه «ألاطفه» وأقول له: «كيفك يا أسمر يا حليوة» فيرد عليّ بقلبه الطيب قائلاً: الله يجبر بخاطرك يا بنتي.

الموسيقار الكبير غازي علي عاش وحيداً ومات وحيداً، وكان مظلوماً إعلامياً، ولم يُنصف كما يجب أو يُكرم كما يستحق، وكان بعيداً عن الأضواء رغم كبر مكانته وثقافته الفنية باعتباره من أوائل الذين درسوا الموسيقى، ووضعوا أيديهم على مفاتيح التراث الموسيقي السعودي.

وقد رحل نهار الثلاثاء (الأسمر الحليوة) ابن (روابي قُبا) إلى مثواه الأخير، وترك خلفه (شربة من زمزم) وإرثاً عظيماً وألحاناً موسيقية سوف تعزف ألحانه وتُحيّي ذكراه إلى الأبد.

لُمت نفسي كثيراً لأني كنت أنوي زيارته في المدة الأخيرة للسلام والاطمئنان عليه وعلى صحته، لكني مع الأسف انشغلت وقصرت و(تأخرت)، في الواقع تأخرت كثيراً وسبقني القدر إليه، وجميعنا يعلم أن القدر لا ينتظر أحداً ولا يُجامل، لكنها إرادة الله قد حالت ما بيني وبين تلك الزيارة التي لربما كانت ستكون الأخيرة.

صدقوني مع كل خبر وفاة أتيقن أن أبشع ما في هذه الحياة هو الموت، لأنه الحقيقة الوحيدة التي لا تكذب ولا تتغير، وهو الفراق الأبدي الذي لا اجتماع بعده ولا لقاء.

وبعض المواقف الحياتية التي نمُر بها تبعث لنا رسائل من السماء، لا يفهمها ويستوعبها ويقرأها بشكلٍ جيد إلا من كان قلبه حيّاً وضميره لا يزال على قيد الحياة.

لذا لا تؤجلوا مواعيد اللقاء بمن تُحبون، ولا تأخذكم الدنيا ومشاغلها و(بلاويها) بعيداً عنهم، التقوهم وخذوهم بالأحضان، وقولوا لهم أنكم تشتاقون إليهم وتحبونهم كثيراً، اصفحوا زلاتهم وافتحوا لهم قلوبكم قبل أحضانكم، واجعلوا حبل الود والمحبة ممتداً بينكم ولا ينقطع ما حييتم.

فلا أحد يعلم متى سوف تكون الكلمة الأخيرة، والضحكة الأخيرة، والنظرة الأخيرة، والقُبلة الأخيرة، واللقاء الأخير الذي لا اجتماع بعده أبداً.

وأخيراً؛ للعم الحبيب «غازي علي» أقول وأنا أعلم هذه المرة إنه لن يقرأ مقالي ويُعلق عليه كالعادة:

(سلام لله يا هاجرنا، فسلام الله على روحك الطيبة).