-A +A
محمد مفتي
خلال بضع سنوات فقط، غدت المملكة دولة تسابق الزمن من أجل تحقيق التنمية في العديد من المجالات، وهو ما أثلج صدور مواطنيها وكان سبباً لفخرهم، غير أن لكل قاعدة استثناء، لذلك فإن الإصلاحات الجذرية التي تضمنتها مسيرة التنمية دفعت خفافيش الظلام للنقد بوتيرة أسرع حتى من وتيرة التنمية ذاتها، وقد تم تجنيد بعض المواقع الإلكترونية المشبوهة لقلب الحقائق وتزييف الواقع، وفي اعتقادي أن هذه الفئة القليلة الحاقدة الاستثنائية استيقظت صباح أحد الأيام الدافئة لتجد شمس التنمية قد أشرقت على كافة ربوع المملكة، فهالهم الضوء والدفء وأفزعهم كونهم لا يجيدون العيش إلا في الظلام الدامس حيث تسيطر الظلمة الحالكة على أرجاء المكان، فشرعوا في النقد والتبرم لأي شيء وكل شيء، ساعين لتفريع كل نجاح من بريقه.

أعداء التنمية والانفتاح هم ظاهرة موجودة في كل مجتمع وكل عصر، يكمن خلف وجودهم العديد من الأسباب والدوافع، وهم موجودون في كافة المجتمعات، قديمها وحديثها، وبطبيعة الحال لم تخلُ المملكة من تلك الفئة المزعجة التي كان لها بعض النفوذ حتى وقت قريب، قبل أن تبدأ المملكة مسيرتها المضيئة في رحلة تطورها وتنميتها المستدامة، وفي غالبية الأحوال تقف نفس العوامل وراء تكوّن هذه الطبقة الهدامة في المجتمع، ولو ألقينا بعض الضوء على تلك العوامل فسنجدها كثيرة ومتشعبة ومتداخلة، غير أن لها ملامحَ عامة سنحاول تسليط الضوء على أهمها.


من أهم السمات التي تميز هذه الفئة الأنانية المفرطة والتمحور حول الذات، فهم لا يرغبون في رؤية فئة مختلفة عنهم في أي شيء، يرغبون في قولبة الجميع ليصبحوا مثلهم، يحبون ما يحبونه ويكرهون ما يكرهونه، والحب والكره هنا لا يعتمدان أو يتوقفان على أسباب موضوعية أو محايدة أو حتى مرتبطة بسياقها العام والخارجي، بل يرتبطان بميول وتوجهات ورؤى تلك الفئة التي تعشق الوصاية على المجتمع، وفي هذا الأمر هم لا يقبلون النسبية ولا التفاوت، فأفكارهم ومعتقداتهم هي الصحيحة من وجهة نظرهم، يريدون إجبار الجميع على التصرف وفقاً لها.

تتسم هذه الفئة بسمات شخصية نفسية واجتماعية عديدة، منها مثلاً الجمود الفكري، فمنذ نعومة أظفارهم وهم يكرهون التغير، حتى لو كان التغيير مرتبطاً بالتنمية والتطور، فحياتهم وتيرة واحدة ونغمة أحادية متكررة لا تتغير ولا تتطور أو تتبدل، لذلك فهم أعداء للتطور والتغير، غير أن ما يثير الاستهجان هو سعيهم لإجبار الآخرين على عدم التغير والاكتفاء مثلهم بالثبات والجمود، وهم يسعون لتطبيق فكرهم هذا بمستويات متفاوتة من التطرف والتي قد يصل بعضها لحد العنف في بعض الأحيان.

لا تسعى تلك الفئة للحفاظ على نمط حياتها دون تغير يذكر فحسب، بل تسعى لأن يتأقلم المجتمع بأسره مع أفكارها هي، وسبب رفضها للتغيير واهٍ جداً وضعيف لأقصى درجة، فهي ترفض التغيير لمجرد أنه سيغير من وتيرة حياتها التي تعودت عليها وأصبحت جزءاً منها، حتى لو كان نمط حياتها يتميز بالسلبية وحتى لو أدركت أن التغير سيصب في مصلحتها ومصلحة المجتمع ككل.

على سبيل المثال قد يخرج أحدهم لعمله أو للسوق لشراء بعض احتياجاته، وقد تعود وحتى فترة قريبة من الزمن على عدم قيادة النساء السيارات، لذلك فإن رؤية المرأة وهي تقود السيارات يستفزه، فهو يعتبر هذا التغير تمرداً على عاداته وتقاليده التي نشأ وترعرع عليها، فكل ما يريده هو أن يكون محيطه الصغير كما يرغبه وكما تعود عليه، وليس كما يرغب أفراد هذا المجتمع نفسه، وبالتالي على المجتمع ككل أن يصبح على نفس الشاكلة التي يرغبها ويتمناها.

هؤلاء الأشخاص عادة ما يكونون قد تربوا داخل بيئات منغلقة تماماً، ولم تفرض الدولة عليهم تلك البيئة أبداً بأي صورة من الصور، ولكنه مجرد نمط من المعيشة فرضه بعض الأشخاص على أنفسهم وعلى أسرهم، وعندما ينشأ فرد ما داخل تلك الأجواء المقفلة التي قد تكون مسممة فكرياً في بعض الأحيان، ويتصادف أنه لا يملك وعياً كافياً لاستيضاح الصواب من الخطأ، فمن الطبيعي أن يرى في الانفتاح تهديداً لعالمه بل لوجوده الشخصي أيضاً، فيسعى بكل ما أوتي من قوة للاحتفاظ بعالمه القديم وهدم أي تطور جديد وتقويض دعائمه كلما سنحت الفرصة لذلك.

يعرف هؤلاء جيداً أن كل مبرراتهم لرفض التطور والانفتاح واهية، يعززها ميلهم الفطري لعدم التغيير، فالعالم الرحب كله بالنسبة لهم عبارة عن قوالب وأنماط جاهزة، ينبغي ملؤها بما درجوا عليه من عادات وتقاليد، وما يثير الدهشة أكثر هو تمتع هذه الفئة بقدر كبير من الانتهازية والاستغلال، فعلى الرغم من الرفض التام لأي تحديث أو تطوير أو انفتاح، إلا أنهم قد يتقبلون التغيير لو أنه سيصب في مصلحتهم الشخصية المباشرة فحسب، ولا شك لدينا في مدى خطورة هذه الفئة بسبب سعيها المستمر للتحكم في المجتمع بكافة الطرق من خلال سيول النقد التي لا تقف ولا تهدأ، لكن مسيرة التنمية والتطور في عالم اليوم ترفض مثل هذه الفئة المتسلطة، وتسعى دوماً لما فيه الخير للمجتمع ككل.