-A +A
محمد مفتي
قبل أسابيع تم الإعلان عن أسماء الفائزين بجائزة نوبل، التي أسسها مخترع الديناميت العالم السويدي ألفريد نوبل، والذي سعى لتأسيس الجائزة قبل وفاته بعد أن اعتبر الكثيرون -وقتئذٍ- أن اختراعه سيكون سبباً في تدمير البشرية، وقد خصص جزءاً كبيراً من إيرادات مخترعاته لتأسيس الجائزة في المجالات التي تفيد البشرية وتعزز السلام، وقد نجح نوبل في أن يجعل اسمه مقترناً بالمخترعات الإنسانية الهادفة لإرساء السلمية والكشف عن أحدث التقنيات التي تؤدي لارتقاء الحياة العلمية في غالبية المجالات المعرفية المهمة.

لقد غدت هذه الجائزة دلالة على التميز والابتكار والإنجاز المتميز وخاصة في الدول المتقدمة، وفي اعتقادي على الرغم من توفر فئة لديها القدرة على الإنجاز المتميز في الدول النامية إلا أنها لم تأخذ حظها كما يجب إلى العالمية، وربما يعزى ذلك إلى وجود فئات أخرى في المقابل لا تشغلها سوى رغبة عارمة في تدمير أي إنجاز بصور شتى، سواء بنقده أو برفضه أو بشن حروب خفية على نتائجه الإيجابية، وهذه الفئة العريضة لا يهدأ لها بال إلا بعد أن توجه كافة سهام نقدها لأي إنجاز تم على الأرض، فلو لم تتمكن من نقد الإنجاز نفسه فإنها تقوم بنقد القائمين عليه، وإن لم تستطع استخلاص عيوب جوهرية فيه فإنها تلجأ لتضخيم أية عيوب ثانوية، وإن فشلت تماماً في تحديد مثالبه فإنها تسعى لتوجيه الأنظار لانتقاد توقيته.


كثيرة هي المقولات الفلسفية التي تعظم من شأن الإنجازات المبنية على الأخطاء، والتي يتداولها معظم الحكماء لتوضيح الجهد المتكبد للحصول على إنجاز واحد، فالإنجازات وطرق النجاح متعرجة متدرجة متشابكة، لا يصل الإنسان إليها من خلال استخدامه للمصعد السريع، ولكنه طريق شاق وطويل على الراغبين فيه أن يسلكوه بنفس راضية، وبصفة شخصية أؤمن أن الأخطاء هي مرادف للإنجاز، وبمعنى أدق هي أحد آثاره الجانبية الحتمية، فمن لا يعمل أبداً لا يخطئ أبداً.

إن امتهان النقد والتلذذ به من قبل بعض الفئات في أي مجتمع يعود لعوامل عديدة، لعل أهمها العوامل الشخصية، فالبعض تكون لديه نفسية سوداوية حقودة، يتميز صاحبها بأنه يحمل كمية حقد وحسد كبيرة تجاه أي نجاح وتجاه جميع الناجحين، فهو يدرك عن ظهر قلب عدم قدرته على تحقيق أي نجاح ملموس، لذلك يلجأ مثل هؤلاء بشكل تلقائي للتقليل من إنجازات الآخرين بل وتحقيرها، ومنهم من يكره المنافسة الشريفة لأنه يعرف أنه الطرف الخاسر فيها فيفضل تشويه أي إنجاز والتقليل من شأنه بدلاً من خوض المعركة.

من المؤكد أن مثل هذه الفئة ربما تستحق عن جدارة جائزة نوبل للشر (إن وجدت) لقدرتهم العجيبة على تحويل كل نجاح لفشل، وتغيير كل إنجاز لنقيصة، فهم يتفننون في ذلك بإصرار وعزيمة يندر وجودهما، فهم يتمعنون في دراسة كل إنجاز باجتهاد نادر لاستخراج أي ثغرة هنا أو هناك، ثم يقدمون صوراً مغلوطة مبنية على اجتزاء أجزاء من الصورة لتعزيز أفكارهم الهدامة، ولديهم قدرات خاصة على إعادة إنتاج الخير وصبغه بألوان باهتة لتشويهه، ثم تحويله إلى اللون الأسود، ويتميز هؤلاء بالبراعة فيما يمكن أن نطلق عليه «فن تكسير المجاديف»!.

من المؤكد أنه ليس لدى الجميع تلك الطاقة السلبية السامة المتجددة، بل البعض فقط لديه مخزون واحتياطي وفير منها، هؤلاء الحاقدون يجدون في عرقلة أي إنجاز متعة لا تقاوم وسعادة يندر أن تتكرر، فهم بارعون في توليد الإحباط من أشد التجارب نجاحاً، ومتمكنون تماماً من تسميم أية أجواء وتحويل كل لحظات الإنجاز لتجارب مؤلمة وباعثة على اليأس، فهم أكفاء في التأليب وتشويه الحقائق وتغيير الوقائع، وفي تحويل الإنجازات إلى فشل، والنصر إلى هزيمة.

يعلم الجميع دون جدال أن الإنجازات التي حققتها المملكة خلال بضع سنوات فقط قد حققت العديد من القفزات النوعية والكمية في كافة مجالات التنمية، سواء في مجال الاقتصاد أو القضاء أو حقوق الإنسان، ولعل تلك الإنجازات ووتيرتها المتسارعة والمتصاعدة هي من أثارت بالفعل جنون هؤلاء الحاقدين المتربصين لأي إنجاز، فكلما ازداد عدد الإنجازات كلما أصابهم الأمر بسعار من نوع خاص، فنجدهم وقد تجمعوا كجيش يائس ليس لديه سوى سلاح النقد يخرجون من خلاله الضغينة التي تعتمل داخل نفوسهم السوداء، وهو ما يدفعنا للاعتقاد بأنه لو كان هناك فرع من فروع جائزة نوبل مخصص للشر، فإن المنافسة عليه من قبل البعض ستكون شرسة للغاية!