-A +A
أنمار مطاوع
الأعمال في المنشآت -أيا كان حجمها أو نوعها- لا تزدهر وتنمو باستدامة إلا من خلال ولاء العاملين لها.. المحك الأساس لتحقيق الأهداف وتنفيذ الإستراتيجيات.. والالتزام بالقيم.. هو (الولاء/‏ Loyalty). الولاء يعني: أن يكرّس الموظف نفسه للمنشأة؛ يهتم بازدهار أعمالها واستثماراتها.. ويشعر بالمسؤولية تجاهها.. ويطوّر كفاءته وجودة عمله ليزيد من أرباحها.

بناء الولاء هو ما تسعى لتحقيقه المنشآت -بدءاً من المنشآت المتناهية الصِّغر وانتهاء بالمنشآت العملاقة-؛ وفي سبيل الحصول عليه، يبحثون في كل الممكن والمتاح -بعض المنشآت تضع (مكافأة ولاء) لموظفيها نهاية كل عام إيمانا بأهميته-.


معضلة المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر أنها لا تستطيع أن تدفع ثمن البرامج والخطط والأدوات التي تضمن بناء ولاء الموظفين لها. ويظل التحدي الأكبر الذي يواجهها -في برامج السعودة تحديدا- هو الإحلال والتدوير Turnover؛ بل إلى حد كبير.. أصبحت المنشآت الصغيرة أشبه بمراكز تدريب للشركات المتوسطة والكبرى.. يبدأ الموظف عمله فيها فقط (للتدريب واكتساب الخبرة) ولكن ذهنه دائما متجه نحو المنشأة الأكبر والراتب الأعلى.. وفي أقرب فرصة، يترك المنشأة الصغيرة على أمل عدم العودة إليها مرة أخرى.

برنامج تنمية القدرات البشرية جاء بأفضل حل لهذه المعادلة. فأصحاب المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر هم الأكثر استفادة من هذا البرنامج. فهو برنامج -بشكل مباشر وغير مباشر- يهتم ببناء الولاء.. والولاء يعني استمرارية الموظف.. والاستمرارية تعني أخطاء أقل، وكفاءة أعلى، ورغبة في رفع دخل المنشأة ليرتفع دخل الموظفين. المبادرة المباشرة في البرنامج لتحقيق هذا الهدف: (توفير حوافز للقطاع الخاص لتشجيعه على الاستثمار في «التدريب على رأس العمل» لموظفيه من خلال الإعفاءات الضريبية وحوافز أخرى مرتبطة بالسعودة..). لا يوجد اختصار لمسافات الوصول السريعة أفضل من هذه المبادرة لو استثمرتها المنشآت الصغيرة بشكل صحيح. فالاستثمار في تطوير وتدريب الموظفين هو إستراتيجية (فوز/‏ فوز) لكل الأطراف. فهو لا يبني الولاء ويرفع من درجات الحماس فقط.. ولكنه يطوّر مهارات الموظفين بشكل سريع ينعكس على أدائهم مباشرة.

حسنا.. كصاحب منشأة صغيرة (كيف استثمر برنامج تنمية القدرات البشرية بشكل عام؟) سؤال ذكي.

كمنشأة صغيرة أو متناهية الصغر، على صاحب المنشأة تقسيم دوره إلى ثلاثة محاور أساسية يشملها البرنامج كاملة.

المحور الأول داخلي: أي هو وموظفوه. هذا المحور تحديدا يعني الاهتمام الكامل بالتدريب وتغيير ثقافة العمل الداخلية؛ سواء التدريب المجاني، أو مدفوع الثمن بأسعار رمزية، عبر الإنترنت On Line. دور صاحب المنشأة أن يبحث عن فرص التدريب (المجاني والرمزي) المتعلقة بتطوير مهارات موظفيه، وأن يضع خطة تدريبية واضحة وجادة لهم، ويلتزم هو -حرفيا- بتطبيقها. ثم بعد نهاية كل دورة عليه أن يعقد ورشة عمل داخلية -يكون هو ذاته مشاركا فيها- لمناقشة ما تم تعلمه وكيفية الاستفادة القصوى من تلك الدورة لتطوير العمل. (من الأخطاء الشائعة في الدورات التدريبية عموما: أنها تفتقد للمتابعة بعد إتمامها.. مما يعني عدم انعكاس أهدافها على بيئة العمل).. الالتزام هو كلمة السر.

المحور الثاني خارجي: استثمار صاحب العمل للفرص الكاملة التي قدمتها الدولة ممثلة في هذا البرنامج الذكي.. بأن يكون مشاركا فعالا فيه.. يعرف مميزاته ويتابع بشكل دقيق ما تقدمه الوزارات والهيئات والقطاعات الأخرى للمساعدة على تحقيقه؛ فعلى مدار الساعة، تقدم القطاعات المختلفة مساهمات متنوعة لتيسير آليات المشاركة.

المحور الثالث هو: الاستدامة. بمعنى أن صاحب العمل ذاته أو أحد موظفيه الجادين، يتولى مسؤولية الدورات التدريبية والتأهيلية ويضع لها خطة تنفيذ فعلية.. بجدية وقناعة تامة لضمان الاستدامة. التساهل أو التراخي في أي مرحلة.. يعني تسرّب الجهد في متاهات مضيعة الوقت والإحباط.

صناعة بيئة عمل مشبعة بثقافة الولاء هو ما يساعد على نمو المنشأة.. يجعل الموظفين يعملون بجدية أكبر ويقدمون جهودا برّاقة لرفع الكفاءة والأرباح. الموظف الذي يشعر أنه منسجم مع بيئة العمل.. هو الأقرب للوصول لمرحلة الولاء.

هذا مجرد تصور.. لكن على كل صاحب منشأة صغيرة أن يبحث عن دوره جيدا في برنامج تنمية القدرات البشرية.. فهناك -بالتأكيد- يوجد له دور يساهم من خلاله في تنمية القدرات البشرية.