-A +A
بدر بن سعود
جائحة كورونا كرست لأنماط استهلاك جديدة في المجتمع السعودي، وهذا حدث في كل المجتمعات بدرجات متفاوتة، ولكنه على المستوى المحلي تجاوز المتوسط العالمي، ويمكن إرجاع ذلك إلى اختلاف الديموغرافيا في المملكة عن مثيلاتها في أوروبا وأمريكا، فالشاب العشريني من الجنسين يمثل الشريحة الأكبر من تعدادها السكاني وبنسبة لا تقل عن 60%، وهؤلاء يميلون في الغالب إلى الإفراط في السلوك الاستهلاكي بدون تخطيـط مالي أو تفكير في المستقبل، ولعل التحول الرقمي وتطبيقات التجارة الإلكترونية، رغم أهميتها وإنجازاتها، ساهمت في تفاقم المشكلة.

معدلات الادخار في المملكة لا تزيد على واحد في المئة، مقـارنة بالمعدلات العالمية التي تصل إلى 10%، ما يمثل خطراً حقيقياً على الاقتصاد الوطني، وعلى إمكانية خلق فرص عمل جديدة، لأن المدخرات تعتبر من مصادر تمويل الاستثمارات في المشاريع المختلفة، وفي مرحلة ما قبل كورونا، كانت الأسهم ومعها العقار من قنوات الاستثمار الأساسية التي تتوجه إليها مـدخرات السعوديين، ويوجـد برنامج سعودي يهتم بمواجهة التحدي الادخاري، ويعمل على تنمية التخطيط المالي الشخصي، ويعرف بتأثيراته الاقتصادية السلبية لضبطه وإعادة التوازن إليه.


ثقافة الاستهلاك تعظم القيم المادية على حساب القيم الروحية، وقد بدأت أيام الملكة اليزابيث الأولى في القرن السادس عشر الميلادي، وفيها كانت الرفاهية الاجتماعية والترف دلالة على القوة والسلطة في المنافسة ما بين الملكة والنبلاء الإنجليز، ومن ثم تطورت في أوروبا القرن الثامن عشر عندما انطلقت الثورة الصناعية، وتم استخدم الآلة كبديل للإنسان لأول مرة، وظهرت فكرة التصنيع والإنتاج الكمي أو الماس برودكشن، الذي اعتمد الأسلوب الرأسي في التوجه لكل الطبقات الاجتماعية، والأسلوب الأفقي في التعامل مع كل طبقة بشكل مستقل، ووظف الدعاية والإعلان ووسائل الإعلام في الطريقتين، والأصعب أن الثورة الصناعية حولت العامل في مصانعها إلى مستهلك ينفق أكثر مما يكسب، وهو يمثل حالة مستمرة لم تتوقف، وسببها الإعلان الذي يخاطب العقل الباطن ويقنعه، والأبحاث أكدت مسؤوليته عن 95% من قرارات الشراء غير المدروسة.

هناك أكثر من 145 مليون عربي مداخيلهم اليومية ما بين دولارين إلى خمسة دولارات، أو ما مجموعه 140 دولاراً في الشهر الواحد كحد أعلى، والرقم يقل بما يعادل 660 دولاراً عن الحد الأدنى لرواتب المواطنين السعوديين في القطاع العام، ومن الضروري أن يتخلص الناس في المملكة من عاداتهم الاستهلاكية السيئة، حتى لا يستمروا في فقدان مداخيلهم العالية على شراء الكماليات وسداد القروض المتراكمة.

الثابت أن متوسط المصروفات الاستهلاكية في المملكة، يتجاوز الدخل الشهري لأكثر العوائل السعودية الصغيرة، ولعــــل البداية المناسبة تكون بإدراج ثقافة الادخار ضمن مناهج التعليم العام والجامعي، علاوة على إقامة المحاضرات التوعوية والأنشطة اللاصفية، وبما يساعد في اتخاذ قرارات الاستهلاك المناسبة وتكريس مهارات الذكاء المالي.