-A +A
صدقة يحيى فاضل
ذكرنا، في مقال الأسبوع الماضي، أن الاهتمام بقضايا محلية أمريكية مبرر، لمكانة أمريكا الدولية الحالية، خاصة عندما يكون لهذه القضايا تأثير إقليمي وعالمي كاسح، ويطال منطقتنا العربية، بامتياز. وقلنا إن هناك سبعة تعديلات يجب، في رأي كاتب هذه الأسطر المتواضعة، وغيره من الأمريكيين، وسواهم، أن ينظر مشرعو الولايات المتحدة في دراسة تبنيها، سواء في دستورهم أو قوانينهم الأساسية، وملخصها:

1- تشريع ما يشجع على تواجد أحزاب سياسية أخرى، تمثل كل التوجهات السياسية للأمريكيين، وتتنافس مع الحزبين الرئيسين الكبيرين السائدين حاليا. والمقصود تشريع ما يؤدي لكسر احتكار الحزبين الكبيرين للسلطة، طيلة عقود، بقيام أحزاب قوية منافسة أخرى.


2- دراسة إلغاء مبدأ «المجمع الانتخابي» في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وجعل كل أمريكا عبارة عن دائرة انتخابية واحدة... ليفوز بالرئاسة من يحصل على أكبر عدد من الأصوات الشعبية.

3- تشديد شروط المرشحين لرئاسة الدولة، وكذلك المرشحين لمجلسي النواب والشيوخ. وذك عبر تبني اشتراطات جديدة، وضرورية، ومنها توفر قدر معين من التعليم والثقافة، والشخصية السوية، في المرشحين.

ونضيف هنا التعديلات الأربع المتبقية:

4- منع قيام تجمعات وأحزاب سياسية متطرفة، وذات توجه عرقي أو عنصري. وتشديد قوانين مكافحة العنصرية. ولا غضاضة في وقف الهجرات الاستيطانية السلبية لأمريكا. فذلك حق مشروع لأي دولة مستقلة، كما سوف نوضح.

5- منع انفصال أي ولاية عن الاتحاد.

6- وضع تحديد تقريبي عام لأهم ما يجب على الحكومة الفيدرالية عمله في مجال الاقتصاد.

7- إعـــــــــادة النظـــــــــــر فـــي منـــــع امتلاك الســــــــــــلاح الخـــــــــــــــــــاص (Gun Control).

****

إذ يجمع كثير من علماء الاجتماع والسياسة الأمريكيين وغيرهم، أن ما حصل بالولايات المتحدة يوم 6 يناير 2021، وغيره، من أحداث، وأثناء فترة الرئيس السابق دونالد ترمب، له بعد عنصري واضح، وقابل للتكرار. وكثير من المراقبين السياسيين الأمريكيين يعتقدون أن المقصود من شعار «أمريكا أولا»، الذي رفعه الرئيس ترمب قبل وبعد انتخابه، هو – كما يبدو: دونالد ترمب أولا، وإسرائيل ثانيا، والأمريكيون البيض ثالثا. وما عدا ذلك غير مهم. فخلال فترة رئاسته، تبين أن ما يهم ترمب هو هذا الثلاثي، المفضل لديه عن كل ما عداه. وهذا ما يجب ألا يحدث.

ولا بد أن نقف هنا لتذكر أن أمريكا تأسست على يد البيض الأوروبيين، القادمين من شتى البلاد الأوروبية، والذين هاجروا للاستيطان بأمريكا التي كانت أرضا بسكان قليلي العدد (الهنود الحمر). كانوا شعوبا ضاقت بهم أوطانهم الأصلية، أو ضاقوا هم بها. ومع قيام الدولة الأمريكية، نشأت القومية الأمريكية الأولى ذات الغالبية البيضاء. ومع تطور وازدهار أمريكا، استقدم الجزء الأكبر من الأمريكيين كثيرا من الأفريقيين، للقيام بالأعمال الشاقة والزراعة. ثم بدأت شعوب وجماعات أخرى تتوق وتحلم بالهجرة إلى أمريكا (بلاد الأحلام). وهكذا، أتى ملايين من «الملونين» إلى هذه القارة الواسعة والبالغة الثراء، وخاصة «بلاد العم سام».

****

وكان من «الطبيعي» أن يشعر البيض أن بلادهم أضحت تضج بأعراق أخرى، أصبح تعدادها يزيد على تعدادهم. وأصبحوا «مواطنين» ينافسون سابقيهم على كل شيء تقريبا، بما في ذلك الأعمال والخدمات والمناصب. فبدأ البيض يتضجرون من القادمين «الجدد». واستيقظت فيهم العنصرية، وانعكست في سلوكهم، خاصة تجاه الملونين. والواقع، أن من حق حكومة أي دولة أن «توقف» الهجرة غير المناسبة، حماية لشعبها. وذلك حق مشروع، إن تم دون تعسف. فلو فتحت أبواب أمريكا على مصراعيها أكثر، فإن أعدادا هائلة ستزحف للهجرة إليها. يبلغ تعداد سكان أمريكا الآن 340 مليونا. ولو فتحت أبواب الهجرة، قد يتضاعف هذا العدد خلال ما لا يزيد على عقد واحد من الزمن.

كان شعار ترمب «أمريكا أولا» يرن في الآذان، ليقول أيضا: لا لمزيد من الهجرات، لا للتجنيس السهل. وهذا ما صادف قبولا لدى كثير من البيض. ولكن ترمب بالغ في تطرفه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والعنصري، فخسر دعم بعض البيض وغالبية الملونين. كما أن ترمب سخر من المؤسسات الرسمية، والدولة العميقة، وتجاوز الكثير من القوانين والأعراف المحلية والدولية، وتبين أن له أولويات أخرى، تأتي قبل خدمته للفئة المفضلة لديه من مواطنيه. لهذا، خسر الانتخابات، وإن بقي له عدد كبير من المؤيدين لتوجهه السياسي... حوالى سبعين مليونا، أو حوالى 40% من مجمل الشعب الأمريكي. والنسبة الأكبر من هؤلاء هم من عينة من اقتحموا مبنى الكونجرس، يوم 6 يناير 2021.

تبينت كل هذه الحقائق، ورحل ترمب (رسميا). ولكن «الترمبية»، وما شابهها، تظل باقية، لدى جماعة ترمب وغيرهم، ما لم يتم تدارك هذا الانقسام الاجتماعي–السياسي الخطير، في هذه الولايات المتحدة الأمريكية.

إن محبي وأنصار أمريكا كثر. ولكن، يبدو أن كارهيها، والمناوئين لها، قد بدأوا يتزايدون، بسبب بعض سياساتها، خاصة تجاه العالم النامي. حتى إن كثيرا من الكارهين لم يخفوا تمنياتهم بتفكك أمريكا، نتيجة لتنامي الترمبية فيها. وبعضهم يرى أن أمريكا أضحت: «لا خيرها، ولا كفاية شرها». والبعض يرى أنه ينطبق عليها المثل الحجازي «غشيم، ومتعافي». ولنتمنى هنا أن تسارع أمريكا بـ«تعديل» مسارها السياسي، الداخلي والخارجي، لتصبح سياساتها أكثر إنصافا، ومنطقية، ولتمسي القطب الحامي للحرية والعدالة والمساواة، والضامن بحق للأمن والسلم الدوليين.