-A +A
عبداللطيف الضويحي
تعود أفغانستان إلى واجهة الأحداث اليومية من جديد لتتصدر نشرات الأخبار، والمنابر الأممية بعد سنوات ظن كثيرون منا بأن أفغانستان تتعافى وأنها تدريجيا تستكمل أمنها واستقرارها وتسترد سيادتها، بعد ما بشر به الأمريكيون من ديموقراطية تعم أفغانستان، إثر حرب الأمريكان وغزوهم لهذا البلد واحتلالهم له بعد أن أصبح حاضنة لطالبان والقاعدة، بعد سنوات من نضال الشعب الأفغاني ضد الاحتلال السوفييتي لبلاده.

فهل شهدت أفغانستان فعلاً هدوءاً واستقراراً خلال سنوات ما بعد الغزو الأمريكي؟ أم أن الوجود الأمريكي لم يجلب الأمن والاستقرار، على العكس كان سبباً بتحويل أفغانستان إلى بؤرة صراع عالمي وإقليمي وداخلي، مستغلاً الجوار الأفغاني لمواجهة خصوم الولايات المتحدة خاصة الصينيين، وأن الانسحاب الأمريكي السريع والمتسارع من أفغانستان هذه الأيام ما هو إلا استكمال لهذه السياسة الأمريكية القائمة على استغلال حالة الفوضى الأفغانية (التي هي أحد المتسببين بها) كجبهة أمامية في مواجهتها المرتقبة مع الصينيين. فقد عبر أكثر من مسؤول أمريكي في الحزبين الديموقراطي والجمهوري بأنهم بصدد ترك الشرق الأوسط لأن أولويتهم الآن هي مواجهة خصمهم الآسيوي الأصفر. وهذا ما تؤكده تصريحات البيت الأبيض بالانسحاب من العراق قبل نهاية العام.


إذن لماذا اختفت أفغانستان من رادارات نشرات الأخبار خلال السنوات الماضية، وهي لم تشهد هدوءا واستقرارا، خلافا للوعود الأمريكية؟ هل الإعلام جزء من اللعبة هذه أم أنه ضحية لتلك السياسات؟

صحيح أن أفغانستان ضحية جغرافيتها وجوارها، وصحيح أن أفغانستان شعوب وقبائل وعرقيات ومذاهب ومناطق، وصحيح أنها تحولت لحاضنة للقاعدة وطالبان في فترة ما بعد انحسار الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، لكن الصحيح أن الوضع الاقتصادي في أفغانستان صعب جدا جدا. اللاجئون الأفغان في كل مكان من دول الجوار. والصحيح كذلك أن الإنسان الأفغاني منتج جدا وعملي جدا وقابل جدا لإعادة استثمار جهده وإنتاجيته الصناعية والزراعية والحرفية.

ولو كانت الإدارات الأمريكية صادقة بحفظ أمن واستقرار وسلم الأفغان الأهلي، لكانت أمامهم فرصة بالعمل على تحسين الاقتصاد الأفغاني وتحويل أفغانستان إلى يابان أخرى، خاصة وأن اليد العاملة الأفغانية كما أسلفت منتجة وقابلة جدا لأن تتحول إلى أيد عاملة ماهرة، لكن الأمريكان لم يكونوا في أفغانستان إلا لأهداف أمريكية بحتة تتحين الوقت المناسب لتحويل هذا الشعب المغلوب على أمره إلى قنابل في معاركها القادمة.

ولم تكن أفغانستان مستقرة يوما خلال التواجد الأمريكي، ولا أعتقد أن جيلين من الأفغان أفنيا حياتهما في الحروب لديهما الرغبة بالحروب من جديد لولا أن هناك من يريدهما دولة فاشلة، مهمتها الحرب بالوكالة مع الصين في أي وقت، خاصة وأن التقارير الأمريكية في الغالب تتحدث عن أن انهيار الحكومة في أفغانستان مسألة وقت.

أما الإعلام فصحيح أن هناك أحداثاً أخرى في العالم جعلت أحداث أفغانستان تكون خارج رادار نشرات الأخبار، مثل أحداث الربيع العربي، وغيرها الكثير من الأحداث، لكن الإعلام عندما يتفاجأ مثلنا بأن لا شيء إيجابيا تحقق في أفغانستان على يد الأمريكيين وأنهم يتركون البلد على حافة الانهيار، وأنهم ملزمون أخلاقيا بالحفاظ على المؤسسات والتشريعات التي أجبروا الحكومات الأفغانية على إيجادها، فعلى الإعلام ومؤسساته أن يراجع أدواته وأساليبه ومصادره ومراجعه.