-A +A
نجيب يماني
وصلني مقطع فيديو من شقيقتي نجلاء لأحد الشيوخ بعنوان (أتؤدين زكاة هذا)، يقول فيه: «كان رسول الله عليه الصلاة والسلام ينظر إلى النساء اللاتي يدخلن عند عائشة ولابسات ذهب ثم يقول (أتؤدين زكاة هذا) ويشير شيخ المقطع إلى يده وأصبعه قالت واحدة لابسة سوار من ذهب، لا يا رسول الله لأنهم يأخذون عليه مثل الثياب والملابس والأمور الأخرى المستعملة، قال أتحبين أن يسورك الله بسوار من نار يوم القيامة؟ قالت لا والله. قال أدي زكاة هذا، وهو يضرب بالعصا على الأسوار مرددا أدي زكاة هذا، أدي زكاة هذا واليوم الناس يقولون إذا لبسناه ما عاد عليه زكاة من أين جاؤوا بهذا القول أنا لا أعرف وأحاديث رسول الله كلها تؤكد على أصحاب الذهب الملبوس أن يؤدوا زكاته».

أتى شيخ المقطع هذا بقول واحد في هذه المسألة لمصلحته ولم يراعِ أن اختلاف العلماء رحمة من الله لعباده وسعه، يقول ابن تيمية إن النزاع في الأحكام قد يكون رحمة، ولهذا صنف رجل كتاباً سماه كتاب الاختلاف، فقال الإمام أحمد سمه كتاب التيسير، فلا ينبغي لمن نشأ على مذهب معين أن يلزم علماء الإسلام به، ولا يقول يجب عليكم أن تفتوا بمذهبي، وأن أي مذهب خالف مذهبي كان باطلاً.


فالمفتي إذا أفتى في المسألة فإنه لا يلزم الأخذ بها، وإنما يأخذ بها من شاء أو يأخذ بغيرها إن كان ذلك أيسر له، وإن اختلف على العامي مجتهدان فأفتاه أحدهما بحكم والآخر بغيره تخير في الأخذ بأيهما شاء، وكان الإمام أحمد يفتي في المسألة ثم يدل السائل على من يفتيه بخلافها ويجيز له الأخذ بأيهما شاء. كل هذا وغيره من باب اليسر ورفع الحرج ودفع المشقة عن الناس، عشنا زمناً بمثل هذه المواعظ الصحوية التي لا تعرف غير النار والعذاب، والبعيدة عن المنهج النبوي في الوعظ والإرشاد وكنا نصدقهم مضطرين.

كلام فيه غلظة وشدة على النساء، فالحلي مما اعتدن عليه فهو زينة ومتاع شخصي لهن يشبع حاجتهن الفطرية فأباح لهن لبس الذهب لإشباع هذه الغريزة، كان من الأجمل الأكمل لهذا المتحدث وأمثاله أن يذكروا أن هناك اختلافاً في المسألة حتى توضح سماحة الإسلام قبل أن يلبسوا النساء أساور من نارهم.

هناك أحاديث عدة تؤكد أنه لا زكاة على حلي المرأة منها ما ذكره ابن قدامة الحنبلي من حديث جابر عن النبي أنه قال ليس في الحلي زكاة قل أو كثر كما روى مالك في الموطأ أن عائشة كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة.

فالزكاة تجب في الأموال النامية والقابلة للزيادة فالعلة هي النماء وليست هي القيمة حتى يدار الحكم عليها.

هناك قاعدة تقول كل ما يحل للمرأة التحلي به لا زكاة فيه، وكل ما لا يحل للمرأة التحلي به فالزكاة واجبة فيه. فحلي النساء بكافة أنواعها من الذهب والفضة والأحجار الكريمة لم يرد فيها نص بأن عليها زكاة، ولم ترد كذلك في مدونة الزكاة النبوية فثبت (أنه لا زكاة في الحلي).

وهو قول أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي زوجة رسول الله وأعلم الناس بمثل هذه الأمور ولا يخفى عليها أمر ذلك، كما قال به طاووس وابن المسيب، وكان عبدالله بن عمر يلبس بناته الذهب ولا يخرج عنه زكاة، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه قوله كان مالنا عند عائشة وكانت تزكيه إلا الحلي، كما قالت عمرة بنت أخيها عبدالرحمن كنا أيتاما في حجر عائشة وكان لنا حلي فكانت لا تزكيه، ويرى ابن عباس وأنس بن مالك أنه ليس في الحلي زكاة... وفي المنتقى للباجي عن عبدالله بن عمر أن أخته حفصة زوج النبي كانت لا تخرج زكاة عن حليها وكان ذلك لا يخفى عن رسول الله، وعن الحسن قال لا نعلم أحد من الخلفاء قال إن في الحلي زكاة. ومن الأدلة التي تؤكد أنه لا زكاة على الحلي قوله صلى الله عليه وسلم يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن قال أصحاب الحديث إن هذا الحديث يوجب بظاهره أنه لا زكاة في الحلي بقوله للنساء ولو من (حليكن)، فلو كانت الصدقة في الحلي واجبة لما ضرب المثل به في صدقة التطوع.

فالزكاة تجب في المال النامي فعلاً والقابل للزيادة مثل النقود أما ما تلبسه المرأة كزينة مطلوبة لها فلا زكاة فيه؛ لأنه متاع شخصي وليس مالاً مرصداً للنماء، ويؤكد الليث بن سعد ما كان من حلي يلبس ويعار فلا زكاة فيه. وبهذا قال الشافعي لا زكاة في حلي المرأة تلبسه أو تعيره أو تكريه.

عموما يا شيخ المقطع كلامك مردود عليك فحلي المرأة المرصد لاستخدامها مباح في الشرع وصرفه عن جهة النماء فلا تجب فيه الزكاة كالعوامل من الإبل والبقر.

فلا تضيقوا على النساء ما أحله الله لهن، ولا تقولوا على الله ورسوله ما لا تعلمون، ويكفي ما مر بنا من معاناة بسبب فتاواكم المتشددة. وأنتم تعلمون أن هناك مساحات للحلال أرحب من التضييق على الناس، ولكنكم تنكرون مكابرة، فسعة الإسلام تخنقكم.