-A +A
بشرى فيصل السباعي
من غرائب أحوال البشر أن تولد مناسباتهم أضدادها، حيث الأعياد والمناسبات السعيدة تولد لدى الكثيرين أكبر قدر من التعاسة؛ ولهذا تظهر الإحصائيات الطبية العالمية تزايد الأزمات الصحية للناس بفترات الأعياد بسبب شدة التوتر الذي يعاني منه الناس في الأعياد والمناسبات السعيدة، ليس فقط بسبب ضعف القدرة المالية على توفير ما تتطلبه من نفقة زائدة ما بين ملابس جديدة وعيديات وهدايا وحلويات وأطعمة للأهل والضيوف، إنما أيضاً بسبب دلالة مثل شعبي كهذا «الأقارب عقارب» وما شابه من التي تدل على أن الكثير من العلاقات والتفاعلات الاجتماعية بخاصة في الأعياد والمناسبات التي يفترض أنها سعيدة هي من النوع السلبي بسبب المشاكل والحزازيات والشحناء السابقة التي كانت بينهم والتي يفترض بهم تجاوزها في الأعياد والمناسبات السعيدة ولعب دور الأهل السعداء المحبين لبعضهم حتى تبدأ فلتات اللسان المقصودة وغير المقصودة تنكد عليهم بالغمز واللمز المباشر وغير المباشر، لأن تلك التفاعلات الاجتماعية لا تعبر عن حقيقة قلبية إنما هي فقط قيام بالواجب ومظاهره خوفاً من اللوم الاجتماعي لا أكثر، وحتى عندما لا يكون هناك تقصد للإساءة للآخرين والتنكيد عليهم كثيراً ما ينقلب الاجتماع بالآخرين لأكبر سبب في تنكيد العيد بسبب رؤية البذخ لدى الآخرين في الهدايا والضيافات والمظاهر المادية المختلفة ومقارنة النفس بهم والعجز عن مجاراتهم، حتى أن كثيراً من أسباب كثرة المشاكل والطلاق التي تحصل في رمضان والتي جعلت هيئة القضاء بفلسطين تمنع تسجيل الطلاق بالمحاكم الفلسطينية خلال رمضان سببها هو ضغوط العجز المالي عن توفير مشتريات العيد بشكل يجاري الآخرين بخاصة مع مطالعة ما ينشره الناس عبر حساباتهم بمواقع التواصل من استعراض ببذخ المشتريات والعيديات والهدايا، وقد يكون كثير منه أصلا بالديون والقروض الاستهلاكية التي آخرها إيقاف الخدمات والسجن وبالتالي فقد الوظيفة وصعوبة الحصول على وظيفة جديدة مع وصمة السجن، حتى أن كثيراً من القطيعة والجفوة العائلية ليس سببها خلافات حقيقية وإن بدت في الظاهر كذلك، إنما سببها أن أحد الأطراف لا يستطيع أن يقوم بالبذخ الاجتماعي الذي يجاري به الأقارب والمعارف ويشرفه أمامهم فيفضل الجفوة معهم ومقاطعتهم، وأسباب تعاسة الأعياد هذه كلها قبل كابوس كورونا الذي يتضاعف رعبه في كل عيد ومناسبة بسبب تزايد العدوى نتيجة اجتماع واختلاط الناس بالزيارات بخاصة مع وجود نسبة مؤسفة تعتقد أن كورونا تمثيلية وترفض التقيد بإجراءات منع العدوى، وبالمحصلة المنطق يقول؛ الأمر لا يستحق كل هذا.