-A +A
ممود علي
يبدو أن العراقيين قد حسموا أمرهم، وقرروا أن يعود بلدهم إلى مكانته الحقيقية بعد أن تمت سرقته في وضح النهار من طرف جار طامع استطاع استغلال دعاية طائفية وعملاءَ نفوذٍ تمت صناعتهم على مدى سنوات عدة، ورغم أن هذه العودة مدفوعة أساساً بوعي عراقي داخلي أفرزته معاناة سنوات مريرة، إلا أنها تلاقت مع رغبة عربية صادقة في عودة العراق إلى حضنه العربي، وقد مثلت زيارة السيد الكاظمي الأخيرة للمملكة العربية السعودية فرصة لإظهار ما يمكن أن تقدمه المملكة لبلد شقيق وجار بحجم العراق.

ستشكل الانتخابات العراقية القادمة فرصة تاريخية للعراقيين من أجل انتشال بلادهم وطي صفحة سنوات من الخراب والتمتع بثرواتهم المنهوبة، ورغم أن الأمل كبير هذه المرة بأن تُخرج هذه الانتخابات العراق من دوامة السنوات الماضية، إلا أن الحذر يبقى واجبا في ظل فشل محاولات سابقة لإنقاذ العراق عن طريق الانتخابات، قد استطاعت إيران إفشال محاولتين سابقتين، وتمكنت من تكسير آمال العراقيين على صخرة نفوذها، لكن إفشال إيران لتلك المحاولتين أعطى العراقيين درسا مهما وكشف بشكل نهائي حقيقة الدور الإيراني في العراق.


جرت المحاولة الأولى ربيع 2010 حين حققت القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي فوزا مفاجئا حصلت فيه على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وهو ما أعطى إياد علاوي حق تشكيل الحكومة، لكن إيران وضعت خطا أحمر على السيد علاوي، وبعد عدة أشهر من المفاوضات تمت الصفقة المشؤومة لتنصيب المالكي رئيسا للوزراء، اعتقد كثيرون أن الفيتو الإيراني على إياد علاوي (رغم أنه من عائلة شيعية عريقة) كان بسبب توجهاته العلمانية، لكن تصدي إيران للمحاولة الثانية أكمل بقية الصورة.

في أغسطس من سنة 2014 وبعد سقوط الموصل وصل حيدر العبادي للسلطة وهو عضو بارز في حزب الدعوة، لكن منذ وصوله لرئاسة الوزراء أظهر وطنية كبيرة في إدارة شؤون الدولة، عيّن قادة عسكريين وأمنيين محترفين كانت مهمتهم تحرير ثلث البلاد الذي وقع تحت احتلال داعش، وقد نجح في ذلك خلال فترة ليست بالطويلة، لكن فجأة ناصبت إيران السيد العبادي العداء، لم يشفع للعبادي كونه من حزب إسلامي شيعي فقد شكلت خطواته الوطنية خطرا وجوديا على النفوذ الإيراني في العراق، وفي الانتخابات اللاحقة استطاعت إقصاءه، والمجيء برجلها عادل عبد المهدي.

بدأ عادل عبد المهدي تنفيذ أوامر إيرانية استفزت العراقيين بشكل غير مسبوق، فقد بدأ فورا بإقالة كل القادة العسكريين المحترفين الذين انتصروا على داعش، كما أن حكومة اللصوص التي شكلها بالغت في الفساد والنهب حتى فقد العراقيون قدرة التحمل، وهو ما أدى لاندلاع انتفاضة غاضبة أعلنت نهاية التخدير الطائفي الذي كان يمارسه ممثلو إيران.

اللعبة الإيرانية في العراق لم تعد تنطلي على أحد، إيران لا تهمها مصلحة شيعة العراق، بل تدافع عن مصالحها القومية والاقتصادية، فالعراق بالنسبة لها مجرد رئة يتنفس منها اقتصادها الشرعي وغير الشرعي، كما أنه ورقة رابحة في مناوراتها الإقليمية. لكن الخاسر الوحيد من كل ذلك هو الشعب العراقي الذي يتظاهر يوميا من أجل الكهرباء والماء النظيف.

عودة العراق كبلد طبيعي في مصلحة شعبه أولا وأخيرا، عودته كأي بلد لديه حكومة تخدم شعبها وتوفر له أسس العيش الكريم، خال من الجماعات التكفيرية والمليشيات الإرهابية، وخال من النفوذ الأجنبي.

وفي شهر أكتوبر القادم سيكون أمام العراقيين طريقان لا ثالث لهما، إما أن تفوز القوى الوطنية ويتجدد معها الأمل بنهوض العراق من كبوته، وإما أن تفوز قوى الإسلام السياسي وحينها سينتظر العراقيون وننتظر معهم 5 سنوات أخرى ستكون طويلة وكالحة.