-A +A
عبده خال
منذ زمن طويل، ونحن نحمل التعليم أوزار ما حدث من تلكؤ في مسيرتنا النهضوية، وما تفشى من تشدد، وبعده الإرهاب، واستيطان خطاب الكراهية، وضعف المنتج التعليمي الظاهر على الطلبة، والانتقال من تجربة فاشلة إلى أخرى من غير إحداث نقلة توعوية تؤسس للمستقبل في جوانبها الإنتاجية والعلمية، من خلال العناصر البشرية التي تتدرج في مراحل التعليم وصولا إلى الحصول على الشهادات.. طبعا هذا القول ينطبق على أغلب المنتج التعليمي، وإن كانت هناك نسبة متفوقة، فأنا أعيد ذلك إلى طموح فردي، تقف مِن خلفه الأسرة كداعمة لذلك الفرد.

عن إنشاء «وحدة التوعية الفكرية» في جميع إدارات التعليم والجامعات؛ باستهداف تعزيز قيم المواطنة والاعتدال والوسطية، والتصدي لجميع أفكار التطرف والانحلال.


يجوز لنا التوقف لكي نراجع هذه الحزمة التي أعلن عنها معالي الوزير، وأول وقفة: أن معاليه ابن الوزارة تدرج في عدة مناصب تعليمية إلى أن تقلد منصبه الوزاري، وأثناء تواجده عمليا كانت ملاحظات الكتاب، ورجال المجتمع يشيرون بأصابعهم جميعها إلى أن الخلل في التعليم ذاته، فالمنتج التعليمي أفرز لنا كل (الدواهي) التي أشرت إليها في مقدمة هذا المقال، وكانت حركة الوزارة قائمة على رد فعل المجتمع وليست مبادرة منها لكي تتخلص من كبواتها المتلاحقة، وهذا يعلمه تماما معالي وزير التعليم، ويعلم أن الخطط التي جاءت كرد فعل لم تحقق الهدف من وضعها.

والآن، ما الذي يمكن أن تقوم به (وحدة التوعية الفكرية)، فإذا سلكنا طريق الإشادة فلنبتعد بإشادتنا عن المسمى، والألفاظ الرنانة التي حملها الإعلان عن إنشاء هذه الوحدة، أما ما يخيفنا فهو معلوم لدى معالي الوزير من خلال تجربته الطويلة في الوزارة، فعشرات التقارير والإرشادات والتوجهات سبق أن أقرتها الوزارة، ومع كل تجربة، نعود للجلوس في نفس الخانة باحثين عما يخرجنا من العجز إلى الإنجاز.

ومع إقرار هذه (الوحدة) أكاد أجزم أنها صورة مكررة لتجارب سابقة، وقد يكون أهم محور من فشل هذه الوحدة في الكوادر المنفذة، ففي الأعوام السابقة كان يتم تنفيذ القرارات عن طريق أشخاص ينتمون إلى خطاب التشدد والكراهية، ولذا كانت النتائج فاشلة، فمن ينفذ أكثر تشددا ممن تلقى على مسامعهم النصائح أو الأفكار المستنيرة.

وأعتقد أننا لسنا معنيين (بإنشاء هذه الإدارات، ولكن بمن سيديرها، لأن الخوف أن يتولى مسؤوليتها الإخوان المسلمون على سبيل المثال، أو أحد تيارات الإسلام الحركي).

وتصبح الأسئلة الدائرية حاضرة:

من سيدير هذه الوحدات في إدارات التعليم؟ وكيف سيتم اختيار المنفذين؟ وما نسب النجاح؟ وكم تكلف من مبالغ مالية، يمكن الاستفادة منها فعليا بدلا من تنفيذ قرارات سبق أن فشلت بسبب المنفذين؟

وأعتقد أن (جائحة كورونا والتعليم عن بعد) صبت في مصلحة الوزارة ماليا، فليتم استغلال هذا الأمر للاستفادة من الأموال لبناء منظومة فكرية تعالج أفكار المنفذين قبل البدء في أي تجربة على أرض الميدان.

فالمشكلة الجوهرية في المنفذ، وأجزم للمرة الألف أن الأفكار ابنة صاحبها، وإذا كان المنفذ لا يؤمن إلا بفكرته فعلينا السلام.

كاتب سعودي

abdookhal2@yahoo.com