-A +A
أنمار مطاوع
«.. فليقُل خيراً أو ليَصمُت». التحدث السلبي عن أداء زميل عمل.. أو التحدث بسوء عن طريقة لبس زميلة.. أو حتى عن علاقاتها خارج العمل.. وغيره كثير مختلف ألوانه.. كل هذا يصنّف على أنه (نميمة في مكان العمل/‏ Workplace Gossip). التحدث عن الزملاء بسوء في غيابهم؛ سواء بما فيهم أو بما ليس فيهم هو نميمة عمل. وفي النهاية كلها تندرج تحت مفهوم (المعلومات التي تمرّر على أنها أحاديث جانبية.. لكنها ذات أهداف حقيرة). هكذا تسمّى الأشياء بمسمياتها.

بحث علماء النفس كثيراً عن نفسية النمَّام في مكان العمل، فكانت النتائج مطابقة لفكرة: انقلاب السِّحر على الساحر. فالنمّام -أي مصدر النميمة الأول- كما تشير الدراسات: «.. شخص يده متسخة بقذارات الحياة.. ويرغب في أن يكون الآخرون مثله.. فيلصق بهم القذارات كيفما اتُّفِق لإراحة ذاته».


ممارِس النميمة في مكان العمل: «.. ثقته بنفسه ضعيفة. لهذا، يتحدث عن خصوصيات الآخرين كطريقة رديئة من طرق إخفاء الضعف.. ويعاني -بنسب عالية- من القلق الداخلي مع نفسه..». إضافة: «.. هو حسود، لا يشعر بالانتماء للمنظمة التي يعمل فيها، يعشق جذب الانتباه.. ويشعر بالتعاسة وفقد الإحساس بالأمان». «.. متحدث رديء ليس لديه أفكار خلاقة أو آراء صائبة أو حتى معلومات مفيدة. لذا، يعتقد أن التحدث عن الآخرين بسلبية يعطي حديثه نوعاً من القيمة والأهمية». كل هذا ليس سوى مقتطفات من دراسات عن هذه الشخصية المهملة.

النميمة تخرج من تحت عباءة (كشف الذات). وعندما تكون الذات مشوهة، يتجه صاحبها لمشاركة الآراء السلبية عن أشخاص آخرين. محاولة فاشلة لتحسين الصورة.

تؤكد البحوث المتخصصة أن: النميمة طبيعة بشرية تحتاج لتهذيب. وهذه الطبيعة؛ إن لم تكن مهذبة، تدفع بالآخرين لمشاركة (المصدر) في النميمة.

تروي إحدى الموظفات في قطاع خاص: «كنت أعمل في شركة كبيرة. تقابلت خلال فترة عملي بزميل.. أعجبته وأعجبني. فتقدم لخطبتي.. ووافقت. استمرت خطبتنا سنة. كل شيء كان على ما يرام. بعد نهاية العام، أطلق عليّ أحد الزملاء -لا سامحه الله- (نميمة).. فحواها: «.. هي تتعامل مع الرجال بشكل يثير الريبة». هكذا أطلقها بمنتهى قلة الضمير. نمت النميمة وكبرت وأضيف عليها مواقف قبيحة.. ثم تصاعدت إلى الطابق الذي يعمل فيه خطيبي. هناك، بدأت المشاكل والغيرة والشكوك. بدون إطالة حديث.. انفصلنا. لكن النميمة ظلت تطاردني.. كنت أسمعها من عيون الزملاء والزميلات. أدائي انخفض وأهدافي لم تتحقق.. وغياباتي كثرت. استمر الوضع لمدة ستة أشهر صعبة. لم يتحسن إلا بعد أن تم فتح تحقيق على مستوى الشركة ومعرفة مصدر النميمة. اعتذر مطلقها لي واعتذر لزملائي.. لكن الشركة قامت بفصله فوراً دون تلكؤ.. وغادر مطروداً ذليلاً.».

النميمة تثير التوتر داخل الشركة.. وتقضي على الإبداع.. وتنهي الصداقات.. تؤثر على الثقة المتبادلة بين الزملاء.. وتخلق صراعات صفراء لا تخدم بيئة العمل. الشركات لا تتساهل مطلقاً مع النمّام.. فهو مصدر تآكل داخلي.. قد يسقط بسببه موظفون أكفاء.. أو تسقط الشركة برمّتها؛ وإن كانت كبيرة. تلوّث يجب التخلص منه.

من يشاركون في النميمة يعتقدون أنها مجرد أحاديث جانبية.. لا تضر أحداً.. لكنها في حقيقتها تترك تأثيراً مباشراً على إنتاجية العمل وعلى الشركة بشكل عام. وفي واقع الأمر.. من يشاركون في النميمة يساهمون في تلويث أنفسهم.. بعلمهم.

كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com