-A +A
بشرى فيصل السباعي
صدقت الحكمة القائلة إن «الحياة مدرسة»، وبمدرسة الحياة امتحانات كبرى تكشف حقيقة الناس، وفي عصرنا الحالي لم يحصل امتحان شمل كامل البشرية وامتحن حقيقة الناس كوباء كورونا العالمي، ودائماً قبل الامتحان يبدو الناس متشابهين، لكن عند امتحان حقيقتهم يتمايزون إلى ملائكة وشياطين كما رأينا منذ بدايات الوباء من كان يتعمد نشر العدوى بالبصق على أشياء الناس، بينما هناك من يضحي بحياته ليحمي الناس من العدوى، كما أن الوباء أظهر تمايز الناس بنوعية عقلياتهم ما بين أصحاب العقلية الواعية العلمية الذين تقيدوا بالإجراءات الوقائية وأصحاب العقلية العشوائية الذين انساقوا وراء نظريات المؤامرة الخرافية، التي ساهمت بصعوبة محاصرة الوباء بزعم أن كورونا تمثيلية، فرفضوا التقيد بالإجراءات الوقائية ولم يتعظوا بغيرهم والمقاطع التي نشرها مصدقون بنظريات المؤامرة قبيل موتهم بكورونا يقرون فيها بحقيقة الوباء، ومن أوجه الامتحان الأخرى أن هناك من قضى أوقات الفراغ التي نتجت عن حظر التجول وارتياد المرافق العامة باكتساب المهارات عبر الدورات المجانية التي تقدمها الجهات الحكومية، وبالقراءة ومطالعة المواد العلمية والوثائقية، بينما هناك من قضى أوقات الفراغ بالسوء وممارسة مزيد من التنمر عبر مواقع التواصل مما نتج عنه زيادة المنتحرين وحسب رسائل الانتحار التي سجلوها كان انتحارهم بسبب زيادة التنمر عليهم عبر مواقع التواصل وليس الاكتئاب من الوباء، ولذا كثيرون ألغوا حساباتهم أو جمدوها بعد سنوات من المشاركة المستمرة لزيادة التنمر عليهم خلال فترة الوباء، بينما هناك من وظف حساباته بمواقع التواصل لتحسين نفسية الناس ومساعدتهم على تجاوز الضغوط النفسية للأوضاع التي نتجت عن الوباء ومنها فقد الكثيرين لأهاليهم وأعمالهم ودخلهم، كما تطوع الناس بعديد من البلدان للعمل بخطوط اتصال خيرية توفر نوعاً من المساندة والأنس للفئات المستوحدة المعزولة كالمسنين ومن عليهم حجر صحي والمكتئبين الذين لديهم هواجس انتحارية، وتطوع كثيرون بمجالات المساعدة المختلفة، وقدم آخرون تبرعات بالملايين ووضعوا عقاراتهم تحت تصرف الهيئات الصحية، بينما هناك من ضاعف الأسعار وتعمد الاحتكار ولم يقدم قرشاً لمساندة جهود مواجهة الوباء، وهناك من استثمر البقاء المطول بالبيت مع الأسرة لتجديد الحميمية الأسرية، وهناك من استغل صعوبة خروج الضحايا من المنزل لممارسة العنف الأسري الذي زاد كثيراً خلال الوباء، وهناك من أهمل دراسة أبنائه لعدم دوامهم بالمدارس، وهناك من ضاعف جهوده لتقويتهم دراسياً، وهناك من استغل الوباء لبث المزيد من الكراهية العنصرية الانعزالية، وهناك من أشعرته محنة الوباء العالمية بوحدة الأخوة الإنسانية.

كاتبة سعودية


bushra.sbe@gmail.com