-A +A
رامي الخليفة العلي
منذ الحملة الانتخابية، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه سوف يعمد إلى تغييرات في السياسة الأمريكية التي انتهجها سلفه دونالد ترمب، وكان من المتوقع أن تتأثر ملفات السياسة الخارجية بالتوجه الجديد للرئيس المنتخب. الآمال كانت واسعة بأن الإدارة الجديدة سوف ترى الأمور على حقيقتها في كثير من الأزمات التي سيطرت على منطقة الشرق الأوسط في السنوات السابقة وعلى رأسها الملف اليمني. وعندما بدأت الإدارة الجديدة تفصح عن بعض مكنوناتها حول اليمن استبشر العالم العربي خيرا، خصوصا أن الملف وضع بعيدا عن الاهتمامات الدولية طوال الفترة الماضية مما ساهم إلى حد كبير في تفاقم الأوضاع السياسية والعسكرية والحياتية اليومية التي تمس المواطن اليمني، ولكن تعيين الإدارة الجديدة مبعوثًا لليمن والتركيز على إيجاد حل سياسي للأزمة الناشبة هناك والاهتمام المتزايد بها، كل هذه عوامل مشجعة لرؤية جديدة لعلها تحرك المياه الراكدة. ومع ذلك فالإجراءات والمواقف الأمريكية لم تذهب إلى عمق الأزمة وجوهرها، وبقيت رؤى سطحية تنظر إلى اليمن من مكان بعيد ولا ترى حجم التشابكات المحيطة بهذا البلد. في الوقت التي كانت جماعة الحوثي الإرهابية تستنفر إرهابها في محاولة تغيير المعادلة العسكرية والسيطرة على مأرب، وفي الوقت الذي تحاول فيه الجماعة الإرهابية استهداف المدنيين والنيل من المؤسسات المدنية في المملكة العربية السعودية، خرجت الإدارة الجديدة بقرار غريب في الزمان والمكان، وهو شطب جماعة الحوثي من التصنيف الأمريكي للتنظيمات الإرهابية. فبدل أن توجه الإدارة الجديدة رسائل تمنع الجماعة من الاستمرار في غيها وتكف يدها عن الآمنين في مأرب، كانت الرسالة الخاطئة التي وجد فيها الكثير من اليمنيين مباركة للعدوان الإيراني وإن كان بأيدٍ حوثية. وهنا خطأ آخر ترتكبه الإدارة عندما تنظر إلى الصراع بين الحكومة الشرعية والجماعة الإرهابية من الزاوية اليمنية وحسب، وتغض النظر عن النظام الإيراني الذي هو أس الأزمات في هذه المنطقة. لا يجدر بالولايات المتحدة أن تكافئ الإرهاب أو تغض النظر عن الجرائم التي يرتكبها سواء بحق اليمنيين أو بحق المنطقة برمتها، أما إذا كانت الخطوة الأمريكية رسالة إلى نظام الملالي، فإنها ليست الرسالة المناسبة، وهنا يجدر العودة إلى ما حذر منه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عندما ذكّر الغرب باتفاقية ميونيخ التي تم توقيعها قبيل الحرب العالمية الثانية والتي كانت تهدف إلى بناء السلام مع هتلر ومحاولة استرضائه، ولكن هذه الاتفاقية جاءت بنتائج عكسية وأدت لاستفحال الخطر النازي، واليوم الرسالة الأمريكية لن تفعل شيئا سوى أنها ستزيد من استفحال الخطر الإيراني، خصوصا أن الأمر لا يتعلق فقط بالمصالح الأمريكية وإنما بمصالح شعوب المنطقة برمتها التي ترى أن النظام الإيراني يشكل خطرا على أمنها واستقرارها ولن تقبل هذه الشعوب بتسويات على حسابها وسيكون لسان حالها بيدي لا بيد عمرو.

باحث سياسي


ramialkhalife@