-A +A
رامي الخليفة العلي
تبنّى المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (ميثاق المبادئ) لتنظيم شؤون الجالية الإسلامية المقيمة على التراب الفرنسي. واعتبر أن ذلك جاء استجابة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي طلب من المؤسسات الإسلامية التأكيد على مبادئ الجمهورية الفرنسية؛ ومنها قيم العلمانية والمساواة بين الرجل والمرأة ورفض توظيف الدين الإسلامي لأغراض سياسية. هناك الكثير ممن يتفق مع السيد ماكرون في ضرورة إبعاد الجالية الإسلامية حيث الإسلام هو ثاني ديانة على التراب الفرنسي عن التيارات الراديكالية والمتطرفة التي عاثت فسادا في العالم العربي والإسلامي وكذلك في أوربا وقد أزهقت آلاف الأرواح البريئة وأسالت أنهارا من الدماء وعلى رأسها تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما. وحتى تلك الجماعات الأيديولوجية التي حاولت الهيمنة على الجالية الإسلامية وتوظيفها لأغراض سياسية تدعم مسعاها للسيطرة على الحكم في عدد من الدول العربية وعلى رأس تلك الجماعات جماعة الإخوان المسلمين. ولكن بدا أن الرؤية مشوشة عند الرئيس الفرنسي وحتى لدى الخطاب الرسمي الفرنسي في التمييز بين الجالية المسلمة التي تحترم القوانين الفرنسية وتلتزم بواجباتها وتأخذ حقوقها كما كل المواطنين الفرنسيين، وبين تلك الجماعات الراديكالية والمتطرفة سالفة الذكر.

الظاهرة الإرهابية هي ظاهرة معقدة للغاية لديها أسبابها المتشعبة التي تبدأ من التهميش الذي تعانيه بعض أوساط الجالية الإسلامية، مرورا بالسماح لبعض التيارات الأيديولوجية بالنشاط لأنها في فترة من الفترات كانت تتوافق مع السياسة الغربية وكذا إدارة الظهر لبعض الأزمات في الشرق الأوسط واعتبار أن هذه الأزمات تجري خلف الجدار وهي لا تعني أوربا! وصولا إلى التواني في التعاون مع الحكومات التي اكتوت بنار الإرهاب والتطرف. وبالتالي يجب وضع إستراتيجية متكاملة والانخراط في تعاون دولي لمواجهة التطرف أياً كان مصدره وأياً كان دينه، فالإرهاب لا دين له، بل إن أوربا نفسها بدأت تعاني من أشكال أخرى من التطرف المرتبط بالنازية الجديدة والفاشية واليمين المتطرف. أما الحرص على الحديث عن الإسلام الفرنسي ومحاولة خلق بطريركية إسلامية عبر إيجاد مؤسسات تتحدث باسم المسلمين فهذا لا يقترب حتى من الظاهرة الإرهابية ولكنه ابتعاد عن كنه الأزمة ومضمونها. باختصار شديد لا يوجد بطريركية في الإسلام وهؤلاء الأشخاص الذين التقاهم الرئيس الفرنسي يتحدثون بأسمائهم أكثر من كونهم يتحدثون باسم المسلمين. ما شهدناه في قصر الإليزيه هو محاولة لحل أزمة ماكرون أكثر من كونه محاولة لحل أزمة الجالية المسلمة، فماكرون الذي فشل في تمرير قانون التقاعد ثم فشل في تمرير قانون العمل ثم فشل في رفع سعر المحروقات وفي مواجهة أصحاب السترات الصفراء، يبحث عن نصر ولكن المشكلة أن السيد الموسوي وصحبه لا يستطيعون أن يمنحوه إياه.


باحث سياسي

ramialkhalife@