-A +A
ريم بنت عبدالخالق
بعيداً عن التعقيدات التي حملتها الأزمة الخليجية وبِغَضّ النظر عما عودتنا عليه السياسة من مفاجآت، إلا أن ما حدث في العلا كان بمثابة جراحة دقيقة -تم الإعداد لها على مدى أشهر- لإعادة فقرة من العمود الفقري إلى مكانها ليشتد بها الجسد الخليجي ويزداد صلابة وقوة وانسيابية في أداء الأدوار المنوطة به، حيث عادت مظاهر اللحمة المتوارية في القلوب لتتجلى بين أبنائه الذين يسري في عروقهم دم واحد وتحمل وجوههم ذات الملامح التي شكلتها موروثاتهم البيولوجية وطبعت عليها بيئتهم وتقاليدهم العريقة ذات الأنفة، ورسمت على كفوفهم خطوطاً لقدرٍ واحد ومصير مشترك.

إن ما شاهدناه من فرحة على المستوى القيادي والشعبي هو صرخة أسكتت أفواه الشامتين وردعت نوايا الطامعين، وأنشودة أمل زغردت معها حناجر الأمهات وتمايل لها أبناء الخليج بالعرضة ابتهاجاً، حاملين سيوف العزة التي تربوا على حملها مضيئين ببريقها ظلمة ليالي الفرقة مبددين أوجاعها، ومتسلحين بفرحة القرارات التي أُعلِنت لتزيدهم جسارة على كل ما يواجههم من تحديات.


أربعون عاماً مضت والهم الخليجي واحد والفرحة واحدة، ليس فقط نتاجاً لعوامل القرب الجغرافي والجوار ووحدة الدين واللغة والمصالح المشتركة، إنما هو نتاج كذلك لتاريخ ممتد لآلاف السنين من الحضارات والأنساب المترابطة، مما يجعل جذور هذه العلاقة ضاربة في عمق الكيان الذي لم يزده الثبات رغم النزاعات واختلاف وجهات النظر ورياح المتغيرات إلا قوة وصلابة وجمالاً متفرداً يباهي الجمال الذي نحتته عوامل التعرية على جبال العلا الشامخة التي احتضنت هذه القمة بين قممها لتضيف زهواً جديداً تحتفي به على صفحات تاريخها وتضمه لما حملته أرضها عبر العصور من أصالة وألق.

إن ما تم تحقيقه في هذه الخطوة يزيدنا -كشعب خليجي- ولاء لقادتنا وثقة في قدراتهم على التعامل -بخبراتهم وحنكتهم وذكائهم الفطري الذي عرف به أبناء الجزيرة العربية- مع كافة المطامع الخارجية والأزمات على مر الزمن، وقد ظهر ذلك بوضوح في الدور الذي قام به الأمير الكبير في حضوره.. الكبير في أثره بعد غيابه سمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت -رحمه الله- من دور لا ينسى في الوساطة لحل تلك الأزمة منذ بدايتها وجهوده النبيلة التي أكملها سمو الشيخ نواف الأحمد أعانه الله، كما تجلى ذلك في حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وبُعد نظره وذكاء التوقيت في اتخاذ القرار.

وليس أروع من أفعال الكبار إلا الهمة والقدرة التي حازها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -سدده الله- هذا الشاب الذي ولد ليكون كبيراً بهيبته وفطنته وعزيمته وتطلعاته التي تسابق الزمن، وطموحه اللامحدود والذي يتناسب مع ما منحه الله لهذه الأرض من ثروات مادية وبشرية، ورؤيته الفذة لمستقبل هذه المنطقة وحرصه على وحدتها وأمنها واستقرارها وعمله الدؤوب ليضعها في المكان الذي تستحقه، وأن يجعل صفحات التاريخ زاخرة بالإنجازات، رافعاً رايتنا الشامخة التي لا تُنَكّس رمزاً ولا معنى مهما كان حجم الأزمات.

فهنيئاً لكل خليجي بفرحة لمّ الشمل وعودة الانسجام بين دولنا لتكتمل الصورة التي سعى هذا المجلس منذ تأسيسه لتجسيدها وتحقيق الأهداف المشتركة في البناء والتقدم والتصدي لكل من تسول له مطامعه أن يمس ذرة من تراب أرضنا.. أرض الواقع الجميل والحلم الأجمل..

• عناق:

نسيتُ أين أنا.. إن الرياض هُنا

مع المنامة مشغولان بالسَّمَرِ

وهذه جدة جاءت بأنجمها؟

أمِ المحرّق جاءتنا مع القمرِ؟

أم أنها مسقط السمراء زائرتي؟

أم أنها الدوحة الخضراء في قطرِ؟

أم الكويت التي حيّت فَهِمْتُ بها؟

أم أنها العَينُ؟ كم في العينِ من حورِ!

بدوٌ وبحارةٌ.. ما الفرق بينهما

والبر والبحر ينسابان من مضر؟

خليج.. إن حبال الله تربطنا

فهل يقربنا خيط من البشر؟

د. غازي القصيبي رحمه الله

كاتبة سعودية

r.a.k.saudiarabia@gmail.com