-A +A
منى المالكي
عندما أقرت اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ في 2018م -وقد كنت عضوة في اللجنة- فعالية (ليالي عكاظ) كنت المعنية بالتواصل مع نزار محمد الثبيتي لأخذ موافقته على تلحين وغناء قصائد والده الشاعر العظيم محمد الثبيتي، وحدث بالفعل ذلك الاتصال الذي ظهر فيه نزار فرحاً بهذا العمل، وقد أبدى استعداداً لأخذ موافقة عائلته الكريمة على ذلك، والمفارقة أنه لم يطلب قرشاً واحداً، ولم يدر الحديث حول العائد المادي إطلاقاً، كان كل همه هو العمل على تلحين وغناء أعمال والده العظيمة رحمه الله تعالى.

ما جعلني أستدعي هذا الموقف هو قيام فنان العرب محمد عبده بتقديمه بروفات تلحينه لرائعة سيد البيد (بوابة الريح) وذلك أثناء استضافته على انستجرام وزير الثقافة سمو الأمير بدر آل فرحان في فعالية (ضيف بدر) وما تلا ذلك من نقاشات مثيرة حول اللحن وحول البيان الذي أصدرته أسرة محمد الثبيتي، وهذا حق مشروع لعائلة الشاعر، فحقوق الملكية الفكرية محفوظة ولا يمكن تجاوزها وكلنا مع ذلك، ولكني فرحت بهذا العمل الذي يذهب فيه فنان عظيم وأيقونة فنية سعودية بحجم «أبو نورة» في غناء قصيدة من قصائد خالد الذكر سيد البيد الثبيتي، والأجمل هو الاختيار الذكي الذي أتي بواسطة العقد (بوابة الريح) قصيدة مميزة للغناء.


سأذهب في الحديث إلى نقاط الاختلاف الذي عارض بها منتقدو أبو نورة غناء القصيدة، التي اتفقت في معظمها على اللحن الذي لا يناسب روح القصيدة، وهذا ما لا نستطيعه لأن اللحن الغنائي علم قائم بذاته لم ندرسه ونتخصص به حتى ننقده! ولكن ما نستطيعه هو الولوج إلى عوالم القصيدة التي تبتعد كثيراً عن الارتجال الذي ظهر في اللحن وصوت الفنان محمد عبده الذي لم يكن في مستوى أداء الثبيتي بنفسه في الإلقاء، فاختيار القصيدة بالفصحى للغناء ليس فقط لجمال كلماتها أو لسطوة قائلها الشعرية، ولكن لها مقوماتها الخاصة؛ من أهمها الوزن الشعري للقصيدة ومدى ملاءمتها لحنجرة الفنان! كذلك عالم القصيدة الفني الذي لابد وأن تأتي الموسيقى ملائمة لتلك الأجواء التي حفلت بها قصيدة (بوابة الريح) وهي عوالم الشكوى والألم والتنبؤ بمستقبل تأتي الريح على فواجعه وصعابه فتقتلعها! ولنا في الثنائي الأجمل درويش ومارسيل خليفة مثال واضح على الاختيار الموفق للقصيدة المغناة.

كذلك لقاء نزار قباني وكاظم الساهر في الأغاني الناجحة بينهما لم يكن ذلك إلا من خلال جلسات متعددة بينهما واختيار نزار لكاظم ما يناسب من اختياراته المتعددة التي يقدمها الفنان كاظم الساهر للشاعر الأجمل نزار يرحمه الله تعالى.

هنا كان لابد على وزارة الثقافة وهي تقدم على مشروع غناء القصائد بالفصحى أن توكل المهمة لمختصين في الشعر مع مجموعة من الملحنين واختيار الأجمل لتقديمه، فهذه فرصة عظيمة لتسويق المنتج الشعري السعودي، وفرصة أكبر لخروج الكنوز الشعرية العظيمة لشعراء الحداثة السعودية.

يقول الثبيتي يرحمه الله تعالى في قصيدة (الأسئلة):

بين نارين أفرغت كأسي..

ناشدت قلبي أن يستريحْ

هل يعود الصبا مشرعاً للغناء المعطّر

أو للبكاء الفصيح.؟

فهل نستطيع الإجابة على سيد البيد ويردد صدى الألحان أمانيه وآماله في وطن يعبر الآن من خلال (بوابة الريح) لمستقبل أجمل!

كاتبة سعودية

monaalmaliki@