-A +A
أريج الجهني
يقول الباحث أليسون إيدن مع فريقه «نستطيع من خلال الترفيه إدارة الحالة المزاجية للأفراد والمجتمعات، وأن نلفت الانتباه إلى تأثير هذا الترفيه ونربط آليات للعلاج للمستخدمين، كالإلهاء عن الحالة المزاجية السلبية مقابل إصلاح الحالة وتلبية الاحتياجات وتجنب الإحباط، ويمكن أن يتحقق ذلك بوسيلتين هما التأقلم والمواجهة، فالتأقلم يركز على تهذيب العاطفة حتـى نتمكن من المواجهة بأقل أضرار ممكنة»، يهتم إيدن بفهم الترفيه كمعالجة للمجتمعات في دراسته التي نشرت عام ٢٠١٩ بعنوان «توصيف إدارة الحالة المزاجية على أنها حاجة الرضا: آثار الاحتياجات الجوهرية على التعرض الانتقائي وإصلاح الحالة المزاجية»، ووجدت عددا كبيرا من الأبحاث حول هذا المفهوم (إدارة الحالة المزاجية) وهو مثير للاهتمام ومرتبط ارتباطا وثيقا بالترفيه كفلسفة وصناعة وممارسة.

لو عدنا قليلا عبر التاريخ حتى يومنا لوجدنا أن الترفيه ارتبط باللذة وتطور عبر العصور فمن الصور الصامتة للسينما والوثائقيات والمسارح والعروض الحية، وثق غيربن بيكر هذه التحولات بدراسته «تطور استهلاك الترفيه وظهوره ١٨٩٠-١٩٤٠»، ونقل في كتابته حاجة الناس للترفيه، التي بالتالي ساهمت في تطوره، كذلك أفكار العالم النفسي إريك فروم حول الحياة والمتعة والوجود كانت ثرية في تقديم الترفية ونوعية، وأنا هنا أتساءل هل توجد دراسات محلية تدرس هذه التطورات وسأمنح للباحثين حزمة من الأسئلة لينطلقوا منها: كيف كان الترفيه من عام ١٩٧٠-٢٠٢٠ دراسة تاريخية وثائقية، ما أهم التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي حققها الترفيه في العامين الأخيرين؟ دراسة نوعية، ما مفهوم الترفيه لدى المواطن السعودي وما نظرة السائح الأجنبي للترفيه في المملكة (دراسات مسحية)، ما مستقبل الترفيه (استقصاء لآراء الخبراء واستشراف المستقبل)، ما العوامل الثقافية التي قد تكون معيقة للترفيه؟ دراسة مختلطة، ما دور المرأة في الترفيه؟ وكيف ترى السيدات آثار الترفيه في تمثيل حضور المرأة في الفضاء العام؟، كيف ساهم الترفيه في كسر التابوهات والأنماط والأوهام الجندرية من خلال الفعاليات في عام ٢٠١٩؟


ما سبق مجرد حزمة اقترح أن تتولاها هيئة الترفيه من خلال شراكة مع وزارة التعليم، بل أرى أنه حان الوقت لتكون هناك شراكة عملية بين الجهتين لدعم الطلبة وتوفير البرامج الترفيهية المناسبة والاستمرار في إقامة البطولات والدوريات التي كانت تبهج الجميع، أيضا التنسيق لمنح الطلبة تخفيضات وحث الجهات المقدمة للخدمات والفعاليات لمنح خصومات أسوة بالجامعات العالمية، والهيئة لها جهودها الواضحة في الشراكة المجتمعية مع البنوك لدعم المواطنين (التمكين من الترفيه)، رغم موجة النقد التي ثارت وقتها، إلا أن المواطن البسيط لمس أثرها بل الأهم أن كورونا جعلت التركيز على الترفيه المحلي فرصة لصناع القرار والمتنفذين لرؤية الواقع، والتفكير بشكل عملي لدعم الترفيه داخليا.

٣٤٠٠ فعالية في ٢٠١٩، هكذا صرح سمو ولي العهد وعراب الرؤية الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- في خطابه الأخير، وتطرق سموه للحصاد الاستثنائي في الترفيه الذي ساهم في رفع معدلات الإنفاق داخل المملكة، وتوليد مئات الآلاف من الوظائف، والمملكة اليوم تتأهب لأن تكون ضمن أكثر ٥ دول استقبالا للسياح بحلول رؤية ٢٠٣٠، بلا شك أن (مجتمعا حيويا) يتطلب (ترفيها حيويا) وما حققته هيئة الترفيه حتى اللحظة يفوق التوقعات وتحول نوعي في مفهوم الترفيه، من خلال شراكات عالمية وجذب للمستثمرين للقطاع وتهيئة الفرص لشباب الوطن، وبلا شك أن تغيير الاتجاهات الاجتماعية والنفسية أيضا تجاه الترفيه أمر يتطلب المزيد من العمل وهو ما يستدعي توطين الصناعة.

أخيرا، فإنه على الرغم من وجود أصول في الفلسفة اليونانية القديمة، فإن الدراسة العلمية للترفيه عالميا لم تحدث بجدية كاملة حتى نهاية القرن العشرين. وكانت تتركز على نظريات الترفيه الإعلامي وفهم دوافع استهلاك المحتوى؛ ومعرفة العوامل الكامنة وراء اختيار الوسائط؛ معالجة الوسائط التقييم الإعلامي، بما في ذلك الاستمتاع بالمحتوى وتقديره؛ وتأثيرات استهلاك وسائل الترفيه على الأفراد. كما تتعلق الافتراضات الرئيسية لهذه النظريات بالعناصر التلقائية والمحفزة جوهرياً للترفيه الإعلامي، والوظائف الاجتماعية والنفسية للترفيه، والارتباط القوي بين المحتوى الترفيهي والمتعة. تشمل النظريات ذات الصلة بفهم سبب تعرض البشر لأنفسهم للترفيه الإعلامي وتأثيراته على المستهلكين، كالاستخدامات والإشباع، ونظرية إدارة الحالة المزاجية، ونظرية التصرف العاطفي، وغيرها. ركزت الأبحاث حول التأثيرات النفسية والاجتماعية للترفيه الإعلامي في الغالب على التأثيرات المعادية للمجتمع، ولكن بدأت المساعي الأحدث في تحديد التأثيرات الاجتماعية الداعمة للسلوكيات الإيجابية، من هنا حتى نستمر في ما بذرته الهيئة علينا أن نستمر في رصد التحولات ودعم الكيانات المدنية التي يعول عليها الكثير في ظل عقول وطنية مبهرة ومنظومة ترفيهية سعودية متميزة مختلفة يرأسها معالي المستشار تركي آل الشيخ الذي ينتظره الكثير من العمل أعانه الله وأعاده سالما لأرض الوطن.

كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com