-A +A
أريج الجهني
النقوة كاسم من شيء خياره، وباللهجة المحلية تأتي كفعل (اختيار الأفضل من الموجود)، لفت نظري هذا المسمى لمنتج سعودي، تعجبت من وجود هذه المسميات أمام سيل الأسماء الأجنبية المسيطرة في شوارعنا والتعريب المقيت للأسماء التي لا تعكس ثقافتنا ولا لغتنا، رغم كل جهود وزارة التجارة في تعريب الأسماء والحفاظ على الهوية اللغوية ترى في كل يوم افتتاح مقهى أو محل ورد أو حتى متجر ألعاب وتعتليه لافتة أجنبية! وكأن لغتنا فقيرة وشحيحة لهذا الحد الذي يعكس إفلاساً ثقافياً، وهو مؤشر خطير جداً وناقشه كبار رواد الثقافة في المملكة، ولا أعلم كيف لنا أن نخرج من هذا المأزق اللغوي بأقل الخسائر.

المسميات التقليدية والعريقة تحاكي بشكل أو بآخر ذاكرتنا العاطفية الأولى، سواء بتفاصيل الأماكن أو حتى بالمنتجات. التمسك بالجذور والأصالة في عصر غريب لا يشبهنا، أمر يصبح مختلفاً خاصة في مسميات العطور أو القهوة. بالمقابل، في حديثي عن العطور والعود والبخور، فأنا أجد أن القوة الناعمة تكمن في هذه الأسرار الصغيرة. شخصياً عدت لقراءة معاني بعض الكلمات العربية الواردة لدى أحد المحال لمراجعة معرفتي بها وبتاريخها، بالمقابل، لا أهتم بمراجعة معاني المنتجات ذات المسميات الأجنبية لأنها بالغالب واضحة ومباشرة تماماً كمشاعرهم، لغتهم كاشفة، ولغتنا عميقة ومستترة.


في حديث عابر حول العود وذاكرة الروائح، وجدت أن البعض يشاركني الشعور بالحنين حين المرور بها، بينما بعض أصدقائي أخبروني بشعورهم بالغضب حين مرورهم بها، وكانت مفاجأة بالنسبة لي، وحين سؤالهم عن السبب عبروا بأن هذه الروائح رغم أصالتها، إلا أنها ارتبطت بشكل أو بآخر بتاريخ التشدد! عدت بذاكرتي قليلاً، وجدت أن هذا الامتعاض لديهم مفهوم، وبالتأكيد أن مدارس العطور حول العالم تختلف ولكل مدرسة عشاق ومحبون، كنت أظن أن الروائح الشرقية بريئة من تركة الماضي، لكن قد يكون لأصدقائي الحق في موقفهم النفسي.

لا يحدث شيء في هذه الحياة عبثاً، الأماكن والأسماء والشعور والروائح جميع هذه الأجزاء تتهيأ إما لأن تترك بداخلنا ذكرى أو عبرة، لم يكذبوا في قولهم (لكل من اسمه نصيب)، المسميات ليست مجرد لوح أو حروف نطلقها لنتمكن من الاتصال بكياناتها، إنما هي حالات ثقافية تستدعي الذاكرة، تارة تسعدها وتارة تشقيها، هكذا دون أن نعي هذا الأثر، لن أطرح أسئلة لكن سأفترض أن يعود الزمن خمسين عاماً للوراء، وأتأمل كم من الأفكار التي ستكون جديرة بأن نتحدث عنها في حينها، الانتقاء ممارسة نظن أننا نحسنها في اللحظة، لكن مع الوقت ندرك أننا نحاكي الزمن فقط، التغيير الحقيقي أن لا تحاكي الواقع، ولا ترتدي ثياباً لا تشبهك، كن أنت بأصالتك، واصنع واقعك بلغتك التي تحب.

كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com