-A +A
فؤاد مصطفى عزب
قادتنا خُطانا أنا والشريف ناصر المنصور والحبيب علي محرق إلى مكان هو في الواقع منصة إبداع، مكان يجمع بين القهوة والموسيقى والفن، مقهى سحري فريد من نوعه، طوق من الورد والقرنفل، مكان مثقل بثمار الفن، والضوء الذي يشع نوراً أقوى من الشمس، دهشة تحتل القلوب حيث جدران المكان مزينة بأيقونات تجسد الفرح، خالية من الحزن، ذات بهجة خاصة، ترن آلاف الضحكات على الحيطان، استقبلنا المشرف على «أرباب الحرف» الأستاذ عبدالله صالح الحضيف، بابتسامة هادئة، شاب فاخر الهيئة، ثابت الجنان والنظرات، نحيف كصارية سفينة، شاب يملك روحاً كعروق النعناع الضاجة بالخضرة والعطر الآسر، وجمال البراري البكر في صباحاتها الطويلة، شاب مطيع للزمان إلى درجة الغفلة، شاب إن وقف مشت الدنيا.. وإن مشت وقف هو، يسرد لنا حكاية «أرباب الحرف» وحبه اللذيذ للفن، كنا نتذوق طعم السكر في كل كلمة يتحدث بها، يقول «لاهدف لي من إنشاء هذا المكان سوى نشر المحبة والفنون بين الناس» وتوسلت بالذين أعرفهم والذين لا أعرفهم «لحصول أرباب الحرف إلى ترخيص ملائم للمنشأة من وزارة الثقافة» كان حديثه صافياً، حلواً، حتى صمته عندما يستمعك كان لطيفاً، يتحدث بسعادة مطلقة وفرح كامل عن أهدافه، تشعر بخدر ممتع حتى عندما يتخلل حديثه بعض الصراخ المكتوم والذي يدوي في أعماقه، كتنور مملوء بالجمر الحارق، كقدر من الفخار يتنهد على نار، يقول بدأت أعزف مواويل البهجة والفرح، عندما ضاقت هذه المدينة على أهلها رغم وسعها، وأصبح العيش والعمل فيها لا يطاق، عندما تشوه وجهها، وقتل كل ما فيها من جميل وعريق ومبهج، وحاربني حزب اغتيال المواهب والعقول النيرة، لأنني كنت أغرد خارج السرب، إلا أنني وقفت خلف أفكاري وأهدافي للنهاية وبعزيمة تليق بالفرسان، كنا نتنقل بلهفة وإعجاب في المكان، ففي كل ركن يأخذنا التأمل إلى متعة من طراز خاص، الروح تهم بالوثوب خارج الأضلاع من فتنة المحتوى، والحياة تعود إلينا مرة أخرى، وتهبط فجأة وبغزارة تثير الدهشة والعجب، فللمكان رائحة خاصة، قد تعيدك أحياناً إلى أزمان مختلفة فالقضبان الحديدية القديمة تحملك إلى عصر الطفرة، وهي استجلبت لتكون جزءاً من المكان كوجه آخر للسنين، تتخدر أوصالي وأنا أستمع عن نجاحات هذا الركن في نشر الثقافة والمحبة والفنون بأنواعها، يعم الخدر في بدني، فأتحول من غيمات متفرقة إلى غيمة واحدة متراصة دبقة بنثيث المطر، كانت الأنغام الأصيلة تنتشر في المكان، والتي بعضها يشبه سقسقة عصفور أو هديل حمام، أو زغاريد أم في ختان صبي، أو تغريد بلبل هجر بستانه وحط بالقرب منا، كنت أتبعه في الجولة التعرفية بالمكان، دونما وعي كالسراب ألاحقه، هكذا مرت الساعات، كرمشة جفن، كنا نخطو للخارج، وفي كل خطوة، كنت أخطوها للأمام، كنت أتساءل مبهوتاً، يظل هذا المكان، رغم جماله مثل قصة ظلت ردحاً من الزمان مبتورة النهاية، وقد آن الأوان أن تكتب وزارة الثقافة لهذا المكان النهاية المناسبة، وذلك كي تكتمل الحكاية بلا شوائب أو أشواك، نهاية لائقة لقصة باخت مع الزمان !

كاتب سعودي


Fouad5azab@gmail.com