-A +A
فواز الشريف
قليلون هم الذين يدركون أن العالم ما بعد كورونا لن يبقى هو ذاته الذي يعرفونه من قبل كورونا، فبغض النظر عن طبيعة هذا «الفايرس» ومصدره وأسبابه، وبغض النظر عن اللقاحات التي ستتطور لمواجهته، لكنه حتماً ومن وجهة نظري سيشكل «كوفيد 19» بكل مكنوناته بداية لعالم «بيولوجي» جديد، عالم غير ذاك الذي عرفناه على خلفية «الحرب العالمية الثانية»، ولا الذي عرفناه إبان «الحرب الباردة» في العقود الثلاثة الماضية من الألفية الثانية أو العقدين التي شكلت مطلع الألفية الثالثة مع ثورة تقنية المعلومات والاتصالات. لست من هواة نظرية المؤامرة، والدليل أنني لن أستكمل «نبوءتي» حول ذلك، بل سأتحدث من منظور «الثقافة الرياضية» التي أجدها، ومع كل هذا الانقلاب العالمي في الموازين الحياتية والمجتمعية تراوح مكانها، بل تتراجع بشكل لافت في الأفكار والبرامج والأطروحات، حيث نفس الرؤى والأحاديث والجدليات والسنابات والرسائل والتغريدات. والمتابع لوسطنا الرياضي وبالذات عبر وسائل التواصل، ويشاهد الطرح والنقاش والجدل الذي يدور يعرف أنه لا يتجاوز كونه مجرد «تهكم»، والكثير من «قلة الأدب»، ولا أعتقد أن مثل هذه السلوكيات إذا اعتبرناها مجازاً منتشرة في الوسط الرياضي هي ضمن إطار ومسؤوليات الوسط نفسه، لأن هذا السلوك يأتي إلى الرياضة من مكان آخر، ربما «المنزل» أو «المدرسة» أو «الشارع»، فهم شركاء في تكوين شخصية المشجع أو اللاعب أو حتى الإعلامي، رغم أنني مقتنع أنه من السهل تعديل أدوات الإعلامي وتطوير مستواه من خلال الدورات والندوات والدراسات، لكن سيبقى العائق أن ذلك السقوط الدائم والمتكرر ليس هفوة مهنية أو ضعفاً بقدر ما هو سلوك اعتاد عليه وتعلمه مبكراً، حتى أضحى جزءاً من تركيبته وشخصيته، ويخضع لعدة عوامل منها الاجتماعية والنفسية، وبالتالي من الظلم تحميل الوسط الرياضي سقوط وتقصير أوساط أخرى أسهمت بخلق هذا المشجع أو المتابع أو حتى الإعلامي. أنا على يقين بأن الثقافة الرياضية كمادة تدريبية وتعليمية بالإضافة إلى التربية العامة والتربية الأسرية بذات مفاهيمها وقيمها ستسهم في خلق جيل أكثر وعياً وإلماماً بما يدور من حوله سواء على مستوى الأندية أو اللعبات الفردية والجماعية أو على مستوى الأطروحات الإعلامية. فكرة القدم مثلاً أو النادي لا يمكن لهما في ظل الرعاية الحقيقية داخل البيت أو في المدرسة أن يشكلا «أيدلوجية» للمشجع غير تلك التي يعيش في ضوئها المجتمع عامة. مرة أخرى أقول إن عالم ما بعد هجمات 11 سبتمبر الذي عايشناه لربع قرن تقريباً، وظهر ذلك على مستوى كرة القدم في رسالة «جورج دبليو بوش»، التي وجهها إلى جوزيف بلاتر عام 2002، فإن جائحة كورونا لن تقل عن ذلك أبداً، هذا إذا استطاع العلماء ودور الأبحاث والعقاقير تخليص العالم منها. دعونا نكن أكثر وضوحاً وأكثر شفافية، فليس من المعقول أبداً تحميل الرياضة والإعلام أكثر مما تحتمل، وعلى المؤسسات التعليمية والأسر أن يضطلعوا بالأدوار المناطة بهم وتخريج جيل أبيض جميل نقي، وقابل للعطاء والعمل والشراكة دون «استهبال».

دد@FawazAlshreef