-A +A
رامي الخليفة العلي
لطالما حيرت العلاقة التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية بالنظام الإيراني المراقبين والباحثين والمحللين، فهي علاقة معقدة وليس كل ما فيها معلنا، من حيث المعلن هي علاقة عداء، واشنطن هي الشيطان الأكبر ولطالما صرخ النظام وأتباعه (الموت لأمريكا) ولكن على أرض الواقع فإن العلاقة فيها مد وجزر، فقد تفاهم الطرفان أثناء الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، بل إن طهران خرجت الرابح الأكبر مما حدث في غريمها التاريخي، فقد سيطرت على الدولة العراقية على مختلف مستوياتها، ووضعت رجالها من العراقيين والإيرانيين في مجمل المفاصل الإدارية والأمنية والعسكرية والسياسية. لذلك عندما خرج المتظاهرون العراقيون في الخريف الماضي كانت البوصلة واضحة لديهم، بحيث طالبوا بخروج إيران من البلاد، وعمليا كانت المواجهة ليست بين السلطة العراقية وشعبها ولكن كانت بين النظام الإيراني والشعب العراقي، وللأسف الجولة الأولى لم تكن كما يريد هذا الشعب الشجاع والعنيد، ولكن الحرب لم تنته بل بقيت جولات ومعارك لن يقبل الشعب العراقي في نهايتها سوى بالحرية والاستقلال التام بدون وجود أي سلطة تخصم من السيادة الوطنية العراقية.

قد يقال الكثير عن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولكن على الأقل في ملف العلاقة مع نظام الملالي كان ظاهره كباطنه، وما وعد به في الحملة الانتخابية سعى إلى تطبيقه على أرض الواقع، فانسحب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات قاسية على النظام ووجه ضربات قاسية ضد رجالات النظام لعل أشهرهم قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وإن لم يكن الوحيد. هذه السياسة المتدرجة التي سعت من خلالها الإدارة الأمريكية لتقليم أظافر إيران في المنطقة ومن ثم إخراجها من مناطق نفوذها. تعرضت ميليشيات الحرس الثوري الإرهابية خلال الشهور الماضية إلى ضربات قاسية سواء من خلال عمليات استخبارية أمريكية أو من خلال ضربات جوية وصاروخية إسرائيلية لم تتوقف منذ بدء التدخل الإيراني في سوريا في عام 2011. مما لا شك فيه أن الإدارة الأمريكية اتخذت قرارها بإخراج إيران مع تجنب الدخول في مواجهة عسكرية شاملة، وهذا التناقض يتم حله من خلال العمليات الاستخباراتية وتكليف إسرائيل بتوجيه الضربات الجوية اللازمة.


وجود إيران في المنطقة أصبح كارثيا سواء على الحلفاء أو على الشعب الإيراني، ففي العراق، الحكومة الجديدة المدعومة إيرانيا لا تحظى بتأييد شعبي ويرى فيها كثير من المتظاهرين استمرارا للنظام الذي يريدون إزاحته. في لبنان حكومة حسان دياب تنحو نفس المنحى، وهو مرفوضه شعبيا، الأسوأ أن البلدين يواجهان أزمة اقتصادية لا تبقي ولا تذر وأصبح وجود إيران عبئا لا يمكن احتماله. أما الشعب الإيراني الذي يشهد وسيشهد خلال الأيام والأسابيع القادمة أسوأ أزمة اقتصادية وهو يرفض، كما كل شعوب المنطقة، دخول بلاده في مغامرات استراتيجية ليس لها من نتيجة سوى مزيد من العذابات لهذا الشعب وتحويل للدخل لكي يخدم الرؤى الميتافيزيقية لحكام طهران بعيدا عن حاجات الشعب الفقير.

* باحث سياسي

ramialkhalife@