-A +A
فهيم الحامد
لأول مرة تصدر منظمة الصحة العالمية توصيات بشأن شهر رمضان المبارك؛ الذي دخل هذا العام «هادئاً»، على غير عادته، حيث يشهد العالم إغلاقاً تاماً؛ بسبب تفشي فايروس كورونا، الذي سيُحجم مشاهد رمضان المعروفة؛ التي عادة ما تكون حيوية، وصاخبة تتمازج فيها العادات والتقاليد، وتختلط فيها الأجواء الروحانية والاجتماعية، كونه شهر التجمعات الأسرية وموائد الإفطار والسحور وصلاة التراويح والتهجد.

منظمة الصحة العالمية حذرت من أي لقاءات مجتمعية رمضانية في استمرارية تفشي جائحة كوفيد-19؛ لاسيّما أن العدوى ما زالت تنتشر بكثافة بسبب المخالطة اللصيقة وعبر الرذاذ التنفسي وملامسة الأسطح والمصافحة والتجمعات؛ وهو الأمر الذي يعتبر من مقومات شهر رمضان منذ عقود سابقة.


منظمة الصحة العالمية استبقت أيضاً قدوم الشهر المبارك بالتأكيد على أهمية استمرارية التباعد الاجتماعي، والالتزام بالتسليم عن بُعد ومنع أي تجمعات مرتبطة بشهر رمضان في الأسواق وموائد الإفطار والسحور واللقاءات الأسرية.

صحيح أننا سنفتقد صلاة التراويح التي تعتبر من الظواهر البارزة في شهر رمضان، ولكن بحكم ضرورة الاحتراز والحفاظ على صحة الإنسان يجب الاكتفاء بأداء الصلوات في المنازل.

صحيح أن رمضان الحالي؛ لن يسمح بالتجمعات العائلية الكبيرة، وموائد الإفطار بين العائلة والأصدقاء، كما جرت العادة، ولكن الأكثر صحة أن مثل هذه التجمعات تمثل خطورة كبيرة على صحة الإنسان.. ويمكن التعويض عنها ببدائل افتراضية مثل التلفزيون والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت في عالم كوفيد - 19 هي المسيطرة بعد اضطرار الجميع بالمكوث بالبيت.

ومن مظاهر رمضان الجميلة، سفر الإفطار في الحرمين الشريفين التي تعتبر تقليداً قديماً جداً، فضلاًعن الإفطار الجماعي في المساجد، والحرمين الشريفين، إلا أن الجهات المعنية تنبهت مبكراً لتداعيات ذلك، وأعلنت رئاسة شؤون الحرمين استمرار تعليق الصلوات وصلاة التراويح والاعتكاف في الحرمين الشريفين.

صحيح.. رمضان مختلف هذه السنة.. ولكن الأكثر عقلانية أن نجلس في بيوتنا ونحولها لمساجد وموائد وجلسات لأفراد الأسرة ونعيد حساباتنا، ونهيئ أنفسنا لمرحلة جديدة بروح تفاعلية وتفاؤلية، بعيداً عن صخب الحياة.. نعم، شهر رمضان فرصة سانحة لكي نؤدي الصلاة بهدوء وبلا استعجال ولا تشتيت انتباه؛ إضافةً إلى توفير الوقت للإكثار من قراءة القرآن وترتيله. لا تجعلوا رمضان حزيناً، افرحوا، وزينوا البيوت، والبسوا الجديد والجميل، وأعدوا أطعمة رمضان، تزاوروا بالاتصال المرئي من خلال الوسائل التكنولوجية، تبادلوا التهاني عبر الاتصال الافتراضي، واقضوا أوقاتاً جميلة في تبادل القصص والذكريات وسوف تنتهي هذه الغمة ويزول الفايروس إلى غير عودة وتعود حياتنا إلى أفضل من قبل بنفوس راقية وانضباط حياة جديد مليء بالأخلاق الجميلة.

ومن حسن حظنا أن جائحة كورونا جاءت في زمن التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي واللقاءات عن بعد، مما سيساعد الناس قطعاً على فكّ عزلتهم والتواصل مع عدد واسع من الأقارب والأصدقاء والمعارف والاطمئنان عليهم.

إن بلادنا تمر بظروف صعبة وقدمت الدولة الغالي والرخيص كعادتها، للحفاظ على صحة الإنسان بلا تمييز.. نحن أمام مرحلة تاريخية في زمن الجائحة وعلينا أن نستمر في الاحتراز والتحوط والاستمرار في شعار كلنا مسؤول.. رمضان سيمضي وستبقى الذكريات.. تنبهوا لتوصيات منظمة الصحة العالمية.

إنه رمضان «الافتراضي».. غير المسبوق.. ستكون تجربة تاريخية في زمن الجائحة.

* كاتب سعودي

falhamid2@