-A +A
حمود أبو طالب
فجر الرئيس دونالد ترمب قنبلة مدوية مساء الثلاثاء الماضي في الإيجاز اليومي للجنة إدارة كورونا عندما صرح بتعليق الدعم الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية الذي يبلغ حوالى نصف مليار دولار، كإجراء يراه مستحقاً على خلفية اتهامه لها بالتقصير والتضليل المعلوماتي والتباطؤ في التعامل مع وباء تحول إلى جائحة اكتسحت العالم بسرعة وشراسة وأصابته بشلل تام وخسائر بشرية واقتصادية قاسية.

دعونا نبتعد عن كل الفرضيات والاحتمالات والملابسات المتعلقة بالسياسة، وما إذا كان قرار ترمب موضوعياً أم لكون الصين بالذات هي مصدر الوباء. إن أي متابع محايد سواءً كان من الوسط الصحي أو الإعلامي أو مجرد مراقب لأحداث العالم، سيجد أن تعامل المنظمة مع هذا الوباء منذ بدء تسرب أخباره لم يكن تعاملاً مهنياً صارماً كما يقتضي دستور المنظمة الذي تنص إحدى فقراته على أنها تُعنى حتى بـ«سلامة الهواء الذي يتنفسه الناس ومأمونية الطعام الذي يتناولونه والماء الذي يشربونه والأدوية واللقاحات التي تلزمهم». هذه المنظمة التي يعمل فيها أكثر من 7000 شخص في 150 دولة، و6 مكاتب إقليمية، بالإضافة إلى العاملين في مقرها الرئيسي في جنيف، كل هذا الجيش من المتخصصين والخبراء لم يتمكن في الوقت المناسب من معرفة أن الهواء الذي تدعي المنظمة ضمان سلامته أصبح ملوثاً بفايروس قاتل، وعندما نبهها إلى ذلك متخصصون في الصحة من خارج الصين تجاهلت تنبيهاتهم، بل وطمأنت العالم إلى أن الفايروس لا ينتقل من الإنسان للإنسان، بينما كان الوقت عاملاً قاتلاً ضد البشرية كلها، بل إن المفارقة أن بعض وسائل الإعلام صنفت الوباء بالجائحة قبل المنظمة، فأين كانت معاييرها وبروتوكولاتها وأنظمتها.


وأيضاً لا نريد الآن الخوض في الاتهامات ضد الصين التي يدعم بعضها عدد من الشواهد وكذلك علاقة المنظمة بتلك الاتهامات من خلال مديرها العام الدكتور تيدروس أدهانوم الذي عمل وزيراً للصحة في إثيوبيا 2005 - 2012م ثم وزيراً للخارجية 2012- 2016 حتى تسلم منصبه في المنظمة في يوليو 2017، ليكون أسوأ مديريها حظاً منذ إنشائها.

والحقيقة أن معظم دول العالم واجهت الوباء في كثير من جوانبه من خلال استراتيجياتها وخططها وبرامجها الصحية الخاصة بناء على تقييماتها الذاتية لأنه أصبح لديها كوادرها الصحية المؤهلة، مع الإبقاء على رمزية المنظمة بالاسترشاد ببعض معلوماتها لا أكثر، فالدور الرئيسي المهم الذي كان على المنظمة الاضطلاع به فات أوانه، وذلك ما أدخل العالم في هذه الكارثة. التقصي والإنذار والتحذير المبكر وتحديد طبيعة الوباء هو ما كان ينتظره العالم منها، لكنها للأسف لم تفعل، فهل يمكننا القول إن «وزارة صحة العالم» سجلت فشلاً تأريخياً في هذه الجائحة التأريخية.

habutalib@hotmail.com