-A +A
أروى المهنا
كنت قد أشرت في الجزء الأول من موضوع الهوية الثقافية إلى عوامل مختلفة من المكونات الثقافية والتراكمات المعرفية التي يمكن من خلالها أن تعطينا صورة تعريفية للآخر كونها نتاج دلالات أساسية من الدين، اللغة، القيم الاجتماعية، العادات والتقاليد، طريقة الملبس، الطعام، أسلوب الحياة في المنزل، وحتى المعتقدات الخرافية التي يتم توارثها، وحول ماهية الهوية والتساؤل المستمر حولها الذي يتناوب عليه العديد من الباحثين والمهتمين! هل نعي حقاً معنى الهوية؟! كيف نفرق بين التمسك بأصالتنا وفكرة التجديد، صراع الهوية والحداثة؟ ما معنى هوية مشوهة؟ وهل لنا الخيار في صناعة هويتنا الثقافية؟ نحن نمارس أدوارنا في الحياة منطلقين من الهوية التي نحملها أو التي تكونت لدينا دون إدراك، أي بطريقة غير مباشرة لهذا الانعكاس، كون الآخر غير متنبه بشكل معرفي لمفاهيم عديدة تعيش بداخله، وتأتي المفاهيم نتيجة لتفاعله غير المباشر أيضاً مع العوامل الفكرية والمعرفية التي يملكها والتي تأتي نتاج التربية والبيئة الحاضنة كونها معيارا مهما يمكن الحكم على أساسه، من جهة أخرى يمكن أن نشير لمعنى الأصالة إلى أنها السمة الحقيقية التي يتميز بها الفرد أو السمة التي تكونت من مفهوم الانتماء سواء لعائلة، لمجتمع لوطن والأهم لأمة، والانتماء غريزة بشرية لا يستطيع الإنسان التجرد منها بأي شكل من الأشكال، بمعنى آخر هو في حاجة دائمة للانتماء.

«الحاجة إلى الانتماء» مصطلح أشاعه الباحث ديفيد ماكليلاند، وهو يصف حاجة الشخص للشعور بإحساس من الانضمام و«الانتماء»، ولعل أشد ما يقلق الإنسان في الوقت الحاضر هو كيفية توفيقه بين الهوية الثقافية التي يملكها والأصالة التي يعتز بها، وما بين التجديد والحداثة! خوفاً بأن نخرج بهوية مشوهة، لكن أن نتمسك بهويتنا لا يعني أن نبقى في فضاء محصور لا يعرف سوى نافذة واحدة يشاهد من خلالها العالم، أن نتمسك بمن نحن لا يعني أن لا نراجع مفاهيم ربما تكون مغلوطة وبعيدة كل البعد عن الانتماء الحقيقي الذي نعود إليه، الربط بين الهوية والأصالة أو التراث والمجتمع المعاصر ضرورة ملحة بل حاجة يجب أن يدركها الفرد، أن نعتز بمن نحن لا يعني أن نتقوقع، أن لا نتواصل مع الآخر المختلف، أن لا نحاور الآخر، أن لا نبني مساحة مشتركة نكتشف من خلالها الآخر، يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور «أنتقد المواقف التي تربط بين الشعور والهوية، كوني أن أرى بأن الهوية تتحدد بالإرادة» باعتقادي أن السؤال الدائم والبحث والشك المعرفي كفيل بأن يقوي إرادتنا لنعرف دواخلنا أكثر، لنسأل أنفسنا من نحن؟ وهل ما نعيشه اليوم هو محض خيار شخصي؟


arwa_almohanna@