-A +A
حمود أبو طالب
هذه رسالة من الإنسان الذي لولا وجوده ما كان لهذا الكوكب معنى، الإنسان الذي كرمه الله عن بقية خلقه واستخلفه في الأرض ليعمرها وينشر فيها المحبة والسلام، الإنسان الذي أصبحت أغلى أمنياته وأعز أحلامه أن ينجو من هذا الوباء الكوني الذي يقطف الأرواح ويجعل المقابر أكثر ازدحاماً من الشوارع.

لقد تسابقتم على صنع كل ما من شأنه دمار الحياة والأحياء، إنتاج أسلحة قادرة على مسح ملامح الحياة كلها وتحويل كوكبنا إلى يباب. انهمكتم في صراع محموم شعاره الفناء، حولتم البشر إلى كائنات يسكنها الرعب المستديم عندما أصبح سباق القوة هو الهدف الذي تنفقون المال من أجله على حساب الوسائل التي تتيح للإنسان حياة كريمة آمنة. وحتى كل ما فاخرتم به من إنجازات لم يعد لها قيمة الآن وهي تقف عاجزة أمام الموت الجماعي الذي يتجول في مدنكم، لقد غير فايروس كورونا كل معادلاتكم التي سيّرتم بها العالم.


الآن، أصبح جهاز التنفس الصناعي أهم من الصاروخ الباليستي، وكمامة الهواء أهم من القنبلة النووية، وقفاز اليد أهم من حاملة الطائرات، وتطوير الدواء أهم من تطوير دقة الطائرات المسيرة، وأما إنتاج لقاح للفايروس فإنه الحلم الذي بإمكانكم التنازل عن كل الأحلام الباقية من أجل تحقيقه. لقد هزم فايروس مجهري كل الغطرسة التي أوهمتكم أنه باستطاعتكم تشكيل وتسيير الكون كما تشاؤون.

ما الذي سيجعل الإنسان يثق بكم وأنتم تقولون له اذهب وواجه مصيرك لأننا عاجزون عن العناية بصحتك، ما الذي يجعله يصدق شعاراتكم عن الحقوق وكرامة العيش والعدالة الاجتماعية بينما هو الآن لا يريد شيئا غير حمايته من المرض، لكن أنظمتكم لا تتيح ذلك إلا لمن يملك المال، للطبقة التي يحق لها أن تعيش على حساب البقية التي لا يهم فناؤها.

لقد أصبح هذا الكوكب الذي نعيش عليه منهكاً مهترئاً بسبب الحروب والنزاعات التي حصدت الملايين من البشر، الحروب التي وقودها مصانع الأسلحة التي تنفقون عليها التريليونات، والآن تتهاوى أيقونات القوة وتغلق كل ترسانات الأسلحة من أجل البحث عن دواء. لقد اكتشفتم الآن أن كل ما يحدث كان عبثاً في عبث.

قليلاً من الإنسانية يا زعماء العالم، من أجل الإنسان الذي يسجل التأريخ الآن أقوى إدانة له عليكم.

habutalib@hotmail.com