-A +A
ريهام زامكه
أعتذر منكم فربما لن تجدوني اليوم كما عهدتموني، ففي بعض الأحيان نفرح ونحزن لأسباب ربما تكون جداً بسيطة، لكن يظل الموت هو السبب الوحيد الحقيقي لمعنى الحزن في هذه الدنيا.

وبعيداً عن أي (دراما) لا أستسيغها سأدخل في صُلب الموضوع، فأنا مؤمنة بأن الحياة لا تستقر على حال، فاليوم نحزن وغداً نفرح ودوام الحال فيها من المُحال.


ورغم أني لا أحب الموت ولا سيرته، ما دعاني لكتابة هذا المقال هو كمية (التهاويل) والبدع التي أصبحنا نشاهدها كثيراً في العزاءات، فخلال الأسبوعين الماضيين كانت لدي حالتا وفاة في العائلة -ورحم الله أمواتنا وأمواتكم- المهم في حين تقبل العزاء أقبلتْ وسلّمتْ عليّ إنسانة لا أعرفها وفي الواقع ذهلت من منظرها، فقد كان وجهها ملطخاً (بمكياج) واضح وليس هذا وقته، ولا هذا مكانه!

قالوا لي فيما بعد إن هذا يسمى (مكياج العزاء)، واستغربت أن حتى العزاء أصبح له (مكياج خاص) عند بعض السيدات (المهبولات) بالفعل.

وعرفت أيضاً أن صالونات التجميل يقدمون عروضاً مميزة وبأسعار مغرية لمن تطلبه، كما أن هناك أيضاً (عباءة) مخصصة لهذه المناسبة، ولا تظنوا أنها سوداء فبعض الظن إثم.

ومن البدع المنتشرة كذلك بدعة أو ظاهرة «الواعظة الدينية» التي يجلبها البعض في العزاء (لترغي) وتوعي النساء بأمور دينهن وقد تكون هي بالأساس جاهلة بالعلم الشرعي ولا تمت إليه بصلة ولكنها جاءت من أجل المال ولتُفتي فقط.

وقد تطور الأمر عند البعض، فأصبحوا الآن إلى جانب البدع في تقديم القهوة والتمر وإعداد الولائم يجهزون (بوفيه مفتوح) فيه كل ما لذ وطاب للمُعزين، فيجتمعون عليه وينشغلون بالضحك والأحاديث الجانبية دون أدنى اهتمام لمشاعر أهل المتوفى وتقدير حالتهم النفسية.

وهناك أيضاً بدعة توزيع «مطبوعة وسُبحة وسجادة صلاة» باسم الشخص المتوفى، وهي منتشرة كثيراً في مجتمعنا لكن دعوني أصدمكم أكثر، فالبعض قد تعدّى مرحلة الخُرافة إلى الجهل، فأصبحوا يطبعون على حبات التمر جُمل مثل: «البقاء لله» أو «إنّا لله وإنّا إليه راجعون» أو «عزاء فلان الفلاني» مع تاريخ وفاته، ويوزعونها على الناس!

ناهيك أيضاً عن اهتمام البعض (المريض) بالتصوير وتوثيق اللحظة، فمنهم من يصور الشخص المتوفى ويأخذ معه (سيلفي) قبل وداعه الأخير، ومنهم من ينسى حُزنه وينشغل ويهتم بتصوير الحضور ومن أتى وعزّى من وجهاء المجتمع وغيرهم.

أعذروني على هذا المقال التعيس الذي ربما قلب عليكم المواجع، ولكن لا أخفيكم أستغرب من تصرفات بعض البشر، فمن أصعب وأقسى المواقف التي مرت عليّ في حياتي كانت قُبلة وداع أخيرة طبعتها وأنا أرتجف على جبين من فقدت من أغلى الناس من أقاربي قبل ذهابهم إلى مثواهم الأخير.

وطالما ما زلتم على قيد الحياة؛ اقبلوا عليها واحتضنوا من تحبون بكل ما أوتيتم من قوة وحُب.

* كاتبة سعودية

Rehamzamkah@yahoo.com