-A +A
هاني الظاهري
عنوان هذا المقال ليس تنفيراً للقراء من القراءة، أو أمراً لهم وتسلطاً عليهم بالطريقة التقليدية والعياذ بالله، فكاتبه لا يملك الحق في التحكم بخيارات أحد، وإنما هو عنوان قادم من الماضي ومحاكاة لتقليد قديم انقرض من الصحافة السعودية في أواسط تسعينات القرن المنصرم إن لم أكن واهماً.

كانت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية وهي في أوج ازدهارها آنذاك، تخصص زاوية في الصفحة الأخيرة بعنوان «لا تقرأ هذا الخبر» تطرح من خلالها خبراً مثيراً وجاذباً وربما طريفاً، والغريب أن القارئ من أبناء جيلنا كان يحرص على قراءته قبل أن يقرأ أي شيء آخر في الصحيفة، لا أعرف من ابتكر الطريقة لكنه استطاع أن يجذب القراء بها في مرحلة كانت فيها قراءة الصحف بمثابة الإطلال من نافذة صغيرة على العالم، فلا وجود في ذلك الوقت للفضائيات ونشرات الأخبار التي تقدمها مذيعات حسناوات، ولا وجود للهواتف الذكية وخدمة الإنترنت بشبكات تواصلها التي تطير بالحدث بعد ثوانٍ من وقوعه.


اخترت هذه الطريقة لحث جميع القراء المهتمين بتاريخ الإنسان وفهم آلية تطور تفكيره وعاداته وأخلاقه وأديانه وافتراضاته لمعنى الحقيقة وعكسها بقراءة كتاب «العاقل» للكاتب والمؤرخ «يوفال نوح هراري» وهو كتاب يقدم وفق تعريف ناشره تاريخاً مختصراً للجنس البشري، لكنه للأمانة أعظم من هذه العبارة بكثير، إذ من النادر أن ينتهي من قراءته شخص عادي دون أن يترك بصمة في ذاكرته ومشاعره وطريقة فهمه للحياة وطبيعة الإنسان الحديث والأسس واللبنات الفكرية الأولى التي شكلته ليكون كما هو اليوم.

كتاب «العاقل» منجز بشري مذهل في حد ذاته وقد تصدّر في نسخته الإنجليزية مبيعات الكتب حسب قائمة النيويورك تايمز، كما تمت ترجمته لأكثر من 45 لغة منذ صدوره. وقالت عنه صحيفة صنداي تايمز إنه «الكتاب الذي يكنس الأوساخ من عقلك ويشع طاقة ووضوحا؛ يجعل العالم غريبا وجديدا».

والحق أنني بدأت قراءة «كتاب العاقل» بشيء من الارتياب والحس النقدي العالي كون مؤلفه مؤرخا إسرائيليا وأستاذا جامعيا في قسم التاريخ في الجامعة العبرية في القدس، متوقعاً أنه قد يجنح للرفع من شأن الثقافة العبرية أو الديانة اليهودية لكنني كنت مخطئاً، إذ إن المؤلف يقدم نظريات علمية مثيرة تنسف أسس ثقافته الدينية والقومية الموروثة، وهذا أمر نادراً ما يحدث.

ختاما: أنصح كل مهتم وباحث في التاريخ والانثربولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع أن يقرأ هذا الكتاب إن لم يكن قد اطلع عليه حتى الآن، وهو متوفر بالنسخة العربية على شبكة الإنترنت لمن لم تعد تغريهم رائحة الكتب الورقية مثل محدثكم.

* كاتب سعودي

Hani_DH@