-A +A
محمد الساعد
يسوق كثير من اليسار العربي ومطلقات الإخوان وفلول العروبيين كلاما للاستهلاك يملأون به آذان الجماهير العربية عن تحالف سري بين واشنطن وطهران، بالطبع هناك من ينخرط في مشروعهم إما بسبب جهله أو بسبب ادعاء الفهم وهي حالة مستعصية لا يمكن العلاج منها.

يمررون على العامة أن أمريكا تنسق مع إيران لابتلاع المنطقة، وأن كل ما نراه مجرد مؤامرة، على الرغم من أن كل الحوادث التي جرت في الأربعين عاما الماضية أثبتت أن إيران وأمريكا تسيران في طريقين منفصلين لا يلتقيان، باستثناء فترة أوباما.


السؤال المهم.. هل إيران بالفعل تريد العداء مع أمريكا، بالطبع لا..

وهي تستميت من أجل إقامة علاقة وثيقة مع واشنطن التي ترفض ذلك من ناحيتها لأسباب تاريخية وثأرا لدماء بينهما لا يمكن تجاوزها.

وإلا من قتل أفراد القاعدة ومرر المعلومات لواشنطن أليست إيران، ومن سمح للطائرات الأمريكية بالعبور إلى أفغانستان، هل كانت جمهورية «المريخ» الفارسية، كل ذلك كان بحثا عن نافذة تطل منها طهران إلى واشنطن.

لماذا أوباما كان مختلفا عن بقية رؤساء أمريكا في علاقته مع الإيرانيين..

لا شك أنه حالة استثنائية في الأيديولوجيا السياسية الأمريكية، فهو الأكاديمي القادم من رومانسيات غير واقعية، إذ كان يكره من أعماقه الدول العربية ويعتقد أنها لا تملك مقومات حضارية، وكان يريد استبدال التحالف الأمريكي في المنطقة من السعودية السنية إلى إيران الشيعية اعتقادا منه بأن طهران يمكن أن تكون بديلا لثقل الرياض ومكانتها.

لكن ذلك لم يلغ تاريخ المواجهات المستمرة بين واشنطن وطهران التي بدأت فور سقوط الشاه، فبعد أن وافقت الولايات المتحدة على استقبال شاه إيران للعلاج، وجه الملالي حرسهم الثوري تحت غطاء طلبة الجامعات للهجوم على سفارة واشنطن في نوفمبر 1979، محتجزين 54 دبلوماسيا، ومستولين على ما فيها من أسرار ووثائق، عندها قرر الرئيس الأمريكي جيمي كارتر اللجوء للحل العسكري.

في أبريل 1980م تم تعيين وحدة عسكرية سميت «مخلب النسر» للقيام بمهمة الإفراج عن الدبلوماسيين، فتوجهت طائرة الـ EC-130 من مطار مصيرة في سلطنة عُمان إلى صحراء قرب طهران إضافة إلى طائرات هليكوبتر وأفراد من القوات الخاصة، خلال العملية حصل خطأ ما أدى إلى تفجير الطائرات وإلغاء العملية برمتها.

العلاقات الإيرانية الأمريكية منذ تلك الحادثة بقيت متوترة رغم كل محاولات طهران حلحلتها، فقد أخذت واشنطن خلال الحرب العراقية الإيرانية التي بدأت العام 1981 موقف العراق ومن ورائه السعودية الذي قضى دعم بغداد في دفاعها عن أراضيها ضد إيران، فمدت أمريكا العراق بالمعلومات العسكرية وسمحت له بشراء الأسلحة.

في العام 1983 انتقلت المواجهة إلى لبنان، وتلقت واشنطن ضربة قوية بتفجير شاحنتين مفخختين استهدفتا مبنيين لقواتها المنتشرة في بيروت ضمن القوات الدولية، أودى الحادث بحياة 299 جندياً أمريكياً وفرنسياً، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن الحادث، بالطبع هذه الحركة ما هي إلا اسم حركي لحزب الله، وأعلنت في ما بعد انضمامها للحزب.

العام 1985 بدأت إيران ما يسمى بحرب الناقلات حين عمدت إلى إغراق وقصف ناقلات البترول الخليجية خاصة الكويتية، كانت تلك بداية أزمة حقيقية في الاقتصاد العالمي، إلا أن المجتمع الدولي لم يسمح لإيران بذلك العبث، ورفعت الكويت أعلام دول غربية لإجبار الإيرانيين على التوقف عن إغراق الناقلات.

لم يتوقف الإيرانيون وذهبوا بعيدا بنشر الألغام البحرية في طريق الناقلات والسفن العسكرية، حتى أصيبت في العام 1988 السفينة الحربية الأمريكية برادلي بلغم إيراني أخرجها من الخدمة، ليقوم الجيش الأمريكي من فوره بإطلاق عملية عسكرية ضخمة أسماها «فرس النبي».

تضمنت العملية ضربات استباقية هدفت لتحييد القدرات الإيرانية في الخليج وتعطيل منصاتها النفطية التي كانت تستخدم إضافة لتصدير البترول كقواعد لنشر الألغام وإرسال القوارب العسكرية، القوات الأمريكية تلقت أوامر بتدمير منصات نفطية عدة بشكل كامل.

لم يزد ذلك العلاقات الإيرانية الأمريكية إلا تصعيدا، ووصلت إلى سقف أزمتها حين أسقطت الفرقاطة الأمريكية فينسين في يوليو 1988 طائرة تابعة للخطوط الجوية الإيرانية من طراز «إيرباص»، وقتل إثرها 290 راكبا، وقتها رفض الأمريكيون تحمل المسؤولية القانونية عن الحادث معتبرين الحادث عرضيا بسبب دخول الطائرة في المجال العسكري فوق الخليج.

لم تتوقف المواجهات وبقي الإيرانيون تحت الضغط الأمريكي، حتى فجروا عبر ذراعهم الإرهابي حزب الله الحجاز أبراج الخبر العام 1996، محاولين فك التحالف السعودي الأمريكي، السعودية استطاعت عبر جهازها الأمني جلب كل المسؤولين عن الحادثة ومحاكمتهم.

استمرت العلاقات الأمريكية الإيرانية في الألفية الجديدة على سوئها ووصف جورج بوش الابن طهران بإحدى دول مثلث الشر، وهددها في حال استمرت في برنامجها النووي، حتى جاء أوباما 1988، الذي قلب المعادلة وسمح لطهران بالتمدد واحتلال العراق وسوريا ولبنان، وكادت تحتل البحرين واليمن لولا الموقف السعودي الحازم.

اليوم تقف أمريكا وإيران على أعتاب حرب مباشرة إثر اقتلاع واشنطن ذراع طهران القوي قاسم سليماني الذي يعد إمبراطور الحرب الإيرانية في أربع عواصم عربية.

أمريكا تريد أن تقول للعالم إنها لن تتخلى عن الشرق الأوسط، لكنها تخلت عن الحرب التقليدية التي قام بها بوش الابن في العراق، وأسست إدارة ترمب ما يسمى «اقتلاع عين الصقر»، وهي تعني إبقاء الصقر حيا ولكن بلا عينين وعندها يفقد أهميته ويفقد مهارته في الطيران ويصبح مجرد طائر بائس أو كما يقال «نمر من ورق».

* كاتب سعودي

massaaed@