-A +A
? علي بن غرسان (جدة )
ستظل كلمات الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز ناقوسا يدق في دواخل الوطن وأبنائه، ولن ينسى الإنسان والمكان أقواله الخالدة التي خرجت من قلب صادق لتستقر في قلوب المواطنين. فلم تكن العلاقة بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ رحمه الله تعالى ــ والشعب كالعلاقة المعتادة بين الحاكم والمحكوم، فهي علاقة حب ووفاء متجذرة لا تسطرها مواثيق مكتوبة، أو بيعة معلنة، فالقلوب التي انغرس فيها حب هذا القائد الفذ، والأب الحنون هي مستودع المواثيق ومصدر البيعة، ومرآة المشاعر النزيهة التي باتت الشفرة التي أهلته للتربع على عرش القلوب، ولذلك فله ــ رحمه الله ــ أقوال باتت مأثورة لدى المواطن السعودي، يستلهمها في كل مناسبة، ويستضيء بنورها جميع أفراد الشعب، وعلى اختلاف مواقعهم وأعمارهم، إذ إنها أقوال اتسمت بالصدق والعفوية والرؤية المستنيرة والثاقبة.
ولم تمر مناسبة دون أن يدون للملك الراحل كلمات ذهبية لا يمكن أن تمحى من ذاكرة الوطن والمواطنين وهي الرؤية المتبصرة للأمور والمنهج المعتدل، الذي كسب به حب الجميع سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو حتى العالمي.
ولعل أشهر تلك الأقوال الخالدة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله قوله حين تولى مقاليد الحكم في السعودية : «أعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستورا والإسلام منهجا وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين».

تحية رجال الأمن
وفي كلمات الملك الراحل وقفة كبيرة في قراءته لأمن الوطن حيث قال في إحدى المناسبات : «إن المنجزات تحتاج لمن يحميها من العبث بعد الله لذلك فإنه لا يفوتني أن أحيي رجال الأمن الشجعان على بسالتهم في حماية منجزات الوطن والمواطن وضرب فلول الإرهاب العابثة بالدين والقيم والأخلاق والمروءة راجيا من الله أن يرحم شهداء الواجب الذين رحلوا عنا إلى رحمة ربهم إن شاء الله تاركين خلفهم رمزا عظيما لمعنى التضحية والفداء يجسده الوفاء لله ثم الوطن.


خطاب التسامح والتقارب
فالوطن لن ينسى كلماته في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى حين قال : «انطلاقا من مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف ومن الموقع الذي تمثله المملكة في العالمين الإسلامي والعربي واصلنا السعي في تبني مشروع خطاب إسلامي يقوم على الحوار والتسامح وتقريب وجهات النظر وإزالة سوء الفهم ونبذ مظاهر الخلاف والعداء والكراهية بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة عن طريق برنامج الحوار بين أتباع المذاهب والأديان الذي اكتسب بعدا دوليا ونحن عاقدو العزم على الاستمرار في هذه الجهود» ..

أمن الوطن لن يمس
وفي زياراته الميدانية للقوات العسكرية المرابطة في المنطقة الجنوبية قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى :
«إنها لسعادة لي أن أكون بينكم اليوم على ثغر من ثغور الوطن أراد له الإرهابيون المتسللون السوء عندما تطاولوا على أرضنا، وأرهبوا الآمنين، واستباحوا الدماء، دون مراعاة لوازع من دين أو خلق، فلهم نقول : لقد تجاوزتم في غيكم، فركبتم صعبا، وإننا
ــ بعون الله ــ ، قادرون على حماية وطننا وشعبنا من كل عابث أو مفسد أو إرهابي أجير».

وحدة الصف
وأمام قادة الدول العربية كانت لغة فقيد الوطن ــ رحمه الله ــ تعالى واضحة جلية حيث خاطبهم في مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية قائلا : «إننا قادة الأمة العربية مسؤولون جميعا عن الوهن الذي أصاب وحدة موقفنا وعن الضعف الذي هدد تضامننا، أقول هذا ولا أستثني أحدا منا لقد مضى الذي مضى واليوم أناشدكم بالله جل جلاله ثم باسم الشهداء من أطفالنا ونسائنا وشيوخنا في غزة، باسم الدم المسفوح ظلما وعدوانا على أرضنا في فلسطين المحتلة الغالية، باسم الكرامة والإباء، باسم شعوبنا التي تمكن منها اليأس أناشدكم ونفسي أن نكون أكبر من جراحنا وأن نسمو على خلافاتنا وأن نهزم ظنون أعدائنا بنا ونقف موقفا مشرفا يذكرنا به التاريخ وتفخر به أمتنا»..

مصالح الأوطان
الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ رحمه الله تعالى ــ حرص على تكريس سياسة المملكة في مختلف الجوانب ونهجها في التعامل مع الأزمات خصوصا الاقتصادية التي مرت بالعالم في فترات متباينة حيث خاطب زعماء العالم في كلمة واضحة وشفافة في قمة مجموعة العشرين الاقتصادية فقال : «إن المملكة العربية السعودية تدرك الدور المحوري والمهم الذي تؤديه في الاقتصاد العالمي، ومن ذلك العمل على استقرار سوق البترول الدولية، ومن هذا المنطلق قامت سياسة المملكة البترولية على أسس متوازنة، تأخذ في الاعتبار مصالح الدول المنتجة والمستهلكة ومن أجل ذلك تحملت المملكة كثيرا من التضحيات، ومنها الاحتفاظ بطاقة إنتاجية إضافية مكلفة تصل إلى حوالى (2) مليون برميل يوميا، حرصا منها على نمو الاقتصاد العالمي بصورة تحفظ مصالح جميع الأطراف» .. ولأن الحوار هو الطريق المختصر للوصول لنقاط التلاقي بين الشعوب جاء خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ رحمه الله تعالى ــ بلسما شافيا خلال المؤتمر العالمي للحوار وقال حينها : «جئتكم من مهوى قلوب المسلمين، من بلاد الحرمين الشريفين حاملا معي رسالة من الأمة الإسلامية، ممثلة في علمائها ومفكريها الذين اجتمعوا مؤخرا في رحاب بيت الله الحرام، رسالة تعلن أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح، رسالة تدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان، رسالة تبشر الإنسانية بفتح صفحة جديدة يحل فيها الوئام بإذن الله محل الصراع»..
ثم عزز من القول ــ رحمه الله ــ في خطاب هز العالم كله حينها لما حمله من عقل ورؤية ثاقبة وقدرة على التعاطي مع الأحداث حين واصل قائلا مخاطبا شرائح واسعة من مسؤولي دول العالم: «إنكم تجتمعون اليوم لتقولوا للعالم من حولنا، وباعتزاز أكرمنا الله به، إننا صوت عدل، وقيم إنسانية أخلاقية، وإننا صوت تعايش وحوار عاقل وعادل، صوت حكمة وموعظة وجدال بالتي هي أحسن تلبية لقوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن ) وإنا ــ إن شاء الله ــ لفاعلون ..

الرؤية العميقة
وربما لن تسقط الذاكرة تلك الكلمات التي قالها رحمه الله تعالى في افتتاح أعمال اجتماع جدة للطاقة حين قال : «في هذه الساعة الحرجة يجب أن يرتفع المجتمع الدولي إلى مستوى المسؤولية، وأن يكون التعاون هو حجر الأساس في أي مجهود، وأن نكون جميعا في نظرتنا إلى الحاضر والمستقبل أصحاب رؤية إنسانية عميقة شاملة تتحرر من الأنانية الضيقة وتسمو إلى آفاق الإخاء والتكافل وفي هذا وحده سر النجاح .. في افتتاح أعمال اجتماع جدة للطاقة».

التحفيز في لغة ملك
وكان ــ رحمه الله ــ حريصا على بث روح التحفيز لكافة أبناء الوطن ولعل كلماته الذهبية خلال تكريمه للفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية ستكون خالدة في ذاكرة كل أبناء الوطن : «إن العالم المسلم في مختبره ، والجندي المدافع عن وطنه، والواعظ الذي يدعو إلى الاعتدال والموظف النزيه الذي يرفض الإغراءات، والقاضي العادل المنصف، والعامل الذي يعمل بيديه ويتقن عمله والطالب الذي يثابر على دراسته وتحصيله كل هؤلاء يخدمون الإسلام وباسمهم في كل مكان من ديار المسلمين يسرني قبول هذا التكريم وأهديه لهم جميعا».

ذروة المجد
كان ــ رحمه الله تعالى ــ واضحا في خطاباته لشعبه ومباشرا في حديثه لشعبه، ولعل هنا يمكن الاستشهاد بقوله ــ رحمه الله ــ : «إن لقائي بكم في كل منطقة من مناطق المملكة بداية من منطقة مكة المكرمة وانتهاء بمنطقة تبوك أضاف الكثير مما في نفسي لكم وجعلني أعيش هاجس الأمانة تجاهكم بكل جوارحي. وإني أسأل الله أن يمدني بالقوة لكي أحقق معكم آمالنا وطموحاتنا تجاه الوطن وإني أعاهد ربي وأسأله الثبات والقوة في مسيرة لا أقبل فيها دون ذروة المجد والعزة والرفعة لكم بين الشعوب وجوامع الأمم..