في الوقت الذي تحتفل فيه الكثير من دول وشعوب العالم بمناسبات سنوية عديدة ذات طابع وطني المنشأ أو قومي الهوية، يعتبر اليوم الوطني للمملكة الذي سنحتفل به يوم غد الثلاثاء هو إحدى مناسباتنا (الاحتفالية) القليلة العدد المرتبطة بكياننا السياسي، وتعود أهمية الاحتفال بيومنا الوطني إلى كونه إحياء لذكرى التاريخ الذي تم فيه الإعلان عن تأسيس هذا الكيان الموحد، بمكوناته الرئيسية الثلاثة؛ السكان، والأرض، والسلطة، لتصبح بلادنا (دولة) ذات شخصية قانونية، مستقلة دوليا، وذات سيادة سياسيا، وتمارس سيادتها ضمن نطاق إقليمي محدد، له حدود جغرافية معترف بها، وعبر منظومة من المؤسسات؛ تحت اسم المملكة العربية السعودية.
وبطبيعة الحال، فإن هذا المنجز السياسي الفذ، الملحمي التكوين، والموحد الأجزاء، الذي نعيش في ظله منذ أربعة وثمانين عاما، ولا نزال ننهل من خيراته حتى اليوم، لم يتأسس تلقائيا أو يتشكل نتيجة لِـ(سايكس بيكو)، بل يعود الفضل في إنشائه ــ بعد الله ــ إلى رؤية وجهود أحد أبرز قادة الدول في العصر الحديث هو المغفور له الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ــ طيب الله ثراه، وإذا كان الكثير من السعوديين لم يعاصروا عهد تأسيس الوطن، ولم يدركوا حجم التحديات الهائلة والصعوبات الجسيمة التي اكتنفت نشأته، فإنهم وبلا أدنى شك يقدرون نتائجه وينعمون بالآثار السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ترتبت على قيامه، وشكلت واقعهم اليوم، وستحدد ملامح مستقبلهم غدا.
وإذا كنا نتهيأ اليوم للاحتفال بيومنا الوطني غدا ونحن نرفل بنعمتين عظيمتين هما الأمن والاستقرار في محيط مضطرب تتنازعه القلاقل والفتن، فإن ذلك أدعى لأن نعي ــ كمواطنين ــ المتغيرات والمخاطر من حولنا لنقدر وطننا حق قدره وبما يليق به من إعزاز وامتنان، ولا سيما أن احتفالنا باليوم الوطني لهذا العام يختلف عن احتفالات الأعوام السابقة؛ لاعتبارات محلية وخارجية، من أبرزها داخليا، اعتماد مجلس الوزراء الموقر الأسبوع الماضي خطة التنمية العاشرة بأهداف أكثر وضوحا وتحديدا عن ذي قبل، مع تركيزها على ثلاثية استراتيجية تشمل توفير المساكن، ومكافحة الفساد، وزيادة الإنتاجية. أما خارجيا، فإن بلادنا تقوم حاليا بدور مؤثر إقليميا ومقدر دوليا لمواجهة التنظيمات المتطرفة؛ بهدف القضاء على الإرهاب في المنطقة، باعتباره المهدد الأول للاستقرار والتنمية.
يتضح مما تقدم أن احتفالنا باليوم الوطني لهذا العام يأتي في ظل حراك تنموي داخلي غير مسبوق، ومتغيرات سياسية وأمنية خارجية متسارعة؛ الأمر الذي ربما يتطلب منا تبني مقاربة مختلفة لطريقة احتفالنا به من شأنها وضعه في سياقاته الملائمة؛ لأنني أعتقد بأنه على الرغم من المنظومة القيمية والتاريخية التي يمثلها اليوم الوطني، فإننا ــ مواطنين ومجتمعا وبعض الأجهزة الحكومية ــ لم نعطِ يوم الوطن الاهتمام الذي يتناسب مع معانيه، وما يؤكد ذلك هو استمرار احتفالنا به بأساليب تقليدية، قد لا تعكس أهمية هذا اليوم، ورمزيته، وما يمثله من معاني الولاء والانتماء، وهذا هو ما جعلني أدعو اليوم لتطوير الكثير من مظاهرنا الاحتفالية بيومنا الوطني؛ بهدف جعله أكثر رسوخا في وجداننا وأقوى تأثيرا على تصرفاتنا تجاه هذا الوطن المعطاء.
وتدور الفكرة التي تراودني تجاه هذا الأمر حول توظيف مناسبة يومنا الوطني بعدة آليات؛ احتفالية الطابع وقيمية المضمون؛ تعكس اهتمامنا بالوطن واهتمام الوطن بنا من خلال تطبيقات عديدة؛ البعض منها نقوم به نحن كمواطنين، والآخر تقوم به بعض الأجهزة الحكومية، ومن أمثلة النوع الأول؛ إطلاقنا مبادرات (فردية) تستهدف ترسيخ مفاهيم وطنية أو تحقيق أعمال تطوعية إنسانية عديدة قد لا يستغرق القيام بها وقتا طويلا، من بينها إدخال البهجة على قلوب بعض الفئات العزيزة على قلوبنا كالأيتام والمعاقين والعجزة بزيارتهم في الدور والمؤسسات التي تؤويهم لإشعارهم باهتمام أبناء الوطن بهم، أو المساهمة في تنظيم حركة المرور وتنظيف الشواطئ، أو العناية بالمعالم والشواهد التاريخية.
وقد يرى البعض أن القيام بمبادرات كهذه في اليوم الوطني هو تنظير أو هدر لوقت ينبغي استغلاله في الاحتفال بالمناسبة، عوضا عن (إضاعته) في أنشطة تطوعية قد لا تعود بفائدة (مادية) مباشرة على من يقوم بها، وردي على ذلك هو أن الكثير من الأفكار الإيجابية التي تنطوي على عوائد وطنية أو اجتماعية وإنسانية قد تحولت مع مرور الزمن ووجود من يدعمها ويؤمن بجدواها إلى أعمال عظيمة مستدامة في العديد من البلدان حول العالم، وأن مفهوم الوطنية والشعور بالمواطنة وممارستها فعليا هو مجال واسع ليس له سقف أعلى؛ لذلك فإن ترديدنا للشعارات أو الأهازيج التي تتغنى بحب الوطن بدون دعمها بأعمال تترجمها لواقع ملموس كوسيلة للتعبير عن ذلك الحب عمليا هو أمر ينبغي إعادة النظر فيه.
أما على الصعيد الرسمي، فإن بمقدورنا تخصيص هذا اليوم لتكريم رواد الوطن في مختلف المجالات، إضافة إلى قيام الوزارات والأجهزة الحكومية بتوظيف يومنا الوطني للإعلان عن إطلاق بعض المشاريع الكبرى التي نعتزم إنجازها، أو تدشين بعض ما تم إنجازه منها، أيضا يمكن اختيار هذا اليوم للإعلان عن تنظيم أنشطة تبرز الوجه الحضاري والثقافي للبلاد؛ مثل إقامة معارض للتصوير الفوتوغرافي والأفلام الوثائقية والتسجيلية التي تلقي الضوء على تاريخ بلادنا ودورها الفاعل في محيطها العربي وعالمها الإسلامي ومجتمعها الدولي.
ختاما، أتمنى أن تبادر الجهات المعنية لدينا إلى إقامة مهرجانات احتفالية بمناسبة اليوم الوطني في كافة المدن والمنشآت الرياضية، وبحيث تغطي مختلف أرجاء البلاد وتسهم في توظيف طاقات شبابنا تجاه الوطن بشكل إيجابي، وتنأى بهم عن بعض الممارسات العشوائية التي ألفنا مشاهدتها في السنوات الماضية في العديد من الشوارع والطرقات الرئيسية.
تبقى نقطة أخيرة ذات صلة وتستحق الإشارة والإشادة، هي مضمون خبر أثار إعجابي وارتياحي معا هو تصريح صحفي لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان أكد فيه على إقامة فعاليات خاصة بالمعاقين في اليوم الوطني، وسيتم خلالها الإعلان عن مفاجآت لهم، وتقديرا لأهمية هذا التصريح، فقد قامت «عكاظ» بنشره بالبنط العريض على رأس صفحتها الأولى قبل أيام، ويعود سبب إعجابي به إلى كونه نموذجا عمليا للمفاجآت السارة والأخبار الجيدة التي أتمنى أن تبادر مختلف أجهزتنا الحكومية وكيانات القطاع الخاص إلى الإعلان عنها بمناسبة احتفالاتنا باليوم الوطني.
أفكار تطبيقية للاحتفال باليوم الوطني
21 سبتمبر 2014 - 19:16
|
آخر تحديث 21 سبتمبر 2014 - 19:16
تابع قناة عكاظ على الواتساب