كنت سعيدا صباح ذلك اليوم لأنني سأزور مدينة رسول الله وسأصلي في مسجده عليه الصلاة والسلام، وعرضت الأمر على أحد أبنائي فرحب بمرافقتي، وانطلقنا قبيل الظهر على أمل أن نصلها قبل المغرب.
الهدف واضح هو مدينة المصطفى عليه السلام والطريق المؤدية إليها ممهدة ورائعة والجو جميل وفرصة للحديث مع زينة الحياة الدنيا الابن الأكبر بخاصة أنه بدأ ينشغل بأعماله ومشاريعه.
انطلقنا من جدة ونحن نتوقع الوصول بعد أربع ساعات للمدينة ولكن وبعد أقل من ساعة تغيرت علي معالم الطريق وبتّ أبحث عن أية لوحة إرشادية في الطريق تشير إلى المسافة المتبقية، وفي كل مرة أتمنى أن تقع عيناي على مثل هذه اللوحة ولكني لم أجدها وبعد حوالى ساعتين ونصف فاجأتني لوحة كُتب عليها مدينة ينبع الصناعية ترحب بكم.
استغربت وضحكت وعجبت في آن واحد ... استغربت كيف وصلنا إلى ينبع ونحن لم نقصدها وإن كنت أحبها وأحب أهلها وتربطني بكثير منهم علاقة أخوة وصداقة.
ضحكت لأن لحظة واحدة باعدت بيننا وبين الهدف مسافة كبيرة فقد اضطررنا لسلوك طريق بدر القديم وهو طريق باتجاه واحد مع ما به من منحنيات كثيرة وسرنا ذلك الجزء الأخير في الليل فاستغرق زمنا طويلا ...
وعجبت كيف أننا كنا قد خططنا للوصول بعد العصر فوصلنا بعد العشاء.
وكانت مناسبة لأبدأ كلمتي أمام جمع من أهل المدينة يومها للحديث عن الواقعة وكيف أننا في بعض الأحيان ننسى الانتباه في لحظة معينة لمفترق طرق وإذا بنا بعد مدة تطول أو تقصر بعيدون عن هدفنا مسافات طويلة أو آمادا بعيدة.
والحقيقة أنه بعد تسعين كيلومترا من جدة هناك لوحة تشير إلى مخرج للمدينة ومن لا ينتبه لها ويستمر في سيره سيقع في ما وقعت فيه.
هذه هي سنة الله في حياة البشر كما قال محمد إقبال الشاعر الفيلسوف في بيت من أشعاره الجميلة :
لحظة يا صاحبي إن تغفل ألف ميل زاد بعد المنزل
هي كذلك فعلا سنة الله من يغفل في لحظة عن مخرج أو مفترق طرق أو علامة تزيد المسافة بينه وبين هدفه آلاف الكيلومترات أو الأميال وربما السنوات والعقود والقرون.
الانتباه لدقائق الأمور في حياتنا اليومية مثله مثل اللوحات الإرشادية في طرقاتنا من يغفل عنها يدفع ثمنا باهظا أحيانا وربما دفع حياته.
هو كذلك من يغفل عن صديق سوء مع ولده في لحظة قد لا ينتبه إلا وقد ضاع ولده أو بنته.
من يغفل عن أمر في تجارته ربما دفع ثمنا قد يكون إفلاسا أو خسارة فادحة.
من يغفل عن خرق أخلاقي في نظام حياته ربما دفع ثمن ذلك سمعته وتاريخه كله.
هي فعلا لحظة يا صاحبي إن تغفل ألف ميل زاد بعد المنزل
وتساءلنا معا أنا وولدي ما الذي أوصلنا إلى هنا لولا أننا انشغلنا بحديث فلم ننتبه في تلك اللحظة إلى اللوحة التي تشير إلى مخرج المدينة.
لحظة يا صاحبي ..إن تغفل
30 نوفمبر 2006 - 18:55
|
آخر تحديث 30 نوفمبر 2006 - 18:55
تابع قناة عكاظ على الواتساب
د. ميسرة طاهر