تكتسب العلاقة مع الآخر أهمية قصوى في تشكيل فكر الفرد وسلوكه واتزانه. وتتعدد وجوه هذا الآخر لتصل في أقصاها إلى الذات نفسها في تمثلات وجوهها المختلفة. فقد يكون هذا الآخر فردا من أفراد الأسرة التي يتعامل الإنسان معها يوميا، مثل الزوج والزوجة أو الأبناء والإخوة والأخوات، ثم يتسع هذا الآخر ليشمل المجتمع بأكمله، ممثلا في الأصدقاء والجيران وزملاء العمل والمعارف.
وبما أن علاقتنا بهذا الآخر داخل المجتمع الصغير والكبير أصبحت تمر بأزمات حادة قد تصل حد العداوة والكره، إذا لم يكن هذا الآخر شبيها لنا ويحمل نفس أفكارنا وتصوراتنا ومواقفنا، فإن علينا الاستعانة بآلية يشار إليها في أدبيات علم النفس باسم «التقمص الوجداني» empathy .
التقمص الوجداني يعني أن أضع نفسي مكان الآخر المختلف، وأن أتقمص مشاعره ومواقفه ورؤاه؛ حتى أتمكن من التفاعل معه بشكل إيجابي. وبذلك يساعد التقمص الوجداني في حل أزمات الاختلاف مع الآخر على مستوى الفرد والمجتمع. فعلى مستوى الأفراد، يسهم التقمص الوجداني، وهو الإحساس بالتواصل مع الآخرين، في إعطائنا القدرة على معايشة أحاسيسهم الداخلية، خصوصا السلبية منها، كالغيرة والحسد والشعور بالتهديد وغيرها من الاعتلالات الشخصية والسلوكية. أما على مستوى المجتمع، فالتقمص الوجداني يسهل تقبلنا، ومن ثم تفهمنا لاعتلالات المجتمع، وتأزمات ثقافته.. مثل الرضوخ للسائد والتقليدي ومحاربة التجديد والوقوف ضد كل ما يشكل اهتزازا للنسق المتعارف عليه.
ولا يتبادر لذهنك ــ أيها القارئ الكريم ــ أنك باتباعك لآلية التقمص الوجداني تكون قد تخليت عن مواقفك أو تنازلت عن قناعاتك أو قضيت على أهدافك أو بعت مبادئك، بل على العكس تماما، فأنت أمام اختبار حقيقي لا ينجح فيه إلا من عرف قيمة ذاته واعترف بأهمية الآخرين في حياته، أيا كانت مثالبهم، ومهما بلغت درجة انحراف شخصياتهم وأمزجتهم. فأنت عندما تأخذ الآخرين في الاعتبار حين اتخاذ قرارات العيش السوي الآمن تكون قد وصلت لأقصى درجات الإنسانية تماما، مثل الأطفال الذين يمارسون التقمص الوجداني بصورة تلقائية، فهم يبكون عندما يسمعون أطفالا يبكون، حتى وإن كانوا لا يعانون من أي مشكلة. عليكم بتجربة التقمص الوجداني، وعندها ستعيشون بأمان لا يزعجكم الضجيج من حولكم ولا تؤذيكم ثرثرات الآخرين عنكم ولا غارات الحقد ضدكم، وسيبتسم لكم الزمان والمكان بعيدا عن العداوة والبغضاء والصراع. ولا تنسوا أن تقولوا إذا خاطبكم الجاهلون «سلاما».


akashgary@gmail.com