ما زال اللواء سالم باريان المتقاعد منذ 20 عاما حاضرا في ذاكرة الوطن بريادته كمؤسس لكلية الملك فهد البحرية، والوحيد الباقي على قيد الحياة من طلبة الجيل الأول الذين وضعوا لبنة بناء القوات البحرية الملكية السعودية.. وكعادة كل العسكريين في التحفظ والدبلوماسية خرجت من حواري معه بجهد المقل وإضافة على استحياء لمسيرة رجل عاش عصاميا ومنضبطا ومحافظا على مبادئه ليخرج من معركته مع الحياة وهو على أبواب الثمانين بأقل الخسائر الممكنة .. اعترف بقسوته في إدارة كلية الملك فهد البحرية وفصله عددا من الطلاب لمصلحة الوطن وأوضح أن رفضه لمبدأ الواسطة كان سببا في تقاعده المبكر بالرغم من ترشيحه لمنصب قائد القوات البحرية الذي اعتذر عنه بسبب إصابته بمرض الربو .. باريان كشف عن خسارته كل أمواله في سوق الأسهم لكن قال : إن استثماره الناجح في أبنائه وبناته خفف عنه كل شيء.. دعا لعدم الاندفاع خلف التطور التقني في مجال العلوم البحرية مؤكدا أهمية تعليم المبادئ الأساسية للطلاب وطالب بتوثيق الأرشيف العسكري قبل أن يضيع من صدور الرجال .. حوار بدأ عاطفيا بأيام الفقر واليتم قبل أن تصبح الهنداوية حيا نخبويا وسيرة رواة قائلا: عشت فقيرا ويتيما منذ الصغر فوالدتي انتقلت إلى رحمة الله ولم أكمل السنة والنصف، ثم لحق بها والدي (رحمه الله) بعد ثمانية أشهر فتربيت على يد إخواني، وظلت حياتنا على الكفاف لكن ذلك لم يمنعني من الدراسة فالتحقت بالمدرسة السعودية الابتدائية ــ المدرسة الوحيدة في جدة ــ الواقعة أمام مسجد عكاش في شارع قابل، ودرست في الكتاب في الصيف مقابل ربع ريال لحفظ القرآن الكريم.
لم تكن لي هواية في تلك الفترة أكثر من كرة القدم التي لعبتها مع زملائي في الهنداوية التي لم تكن تمتلك مواصفات الحارة لتباعد بيوتها يمينا وشمالا. فكنا نصنع الكرة من الشراريب ونلعب بها والدماء تسيل من أقدامنا مع نهاية كل يوم ،كما تعلمنا السباحة من الصغر بدون مدربين لقرب البحر من منازلنا في تلك الفترة ولقد تميزت في سباحة المسافات الطويلة وطورت مهاراتي عندما سافرت للدراسة في كلية العلوم البحرية في الإسكندرية وحققت أرقاما ظلت لفترة طويلة لم تحطم، لكن كل هذا لم يشبع رغبتي في أن أصبح لاعبا في فريق الاتحاد مثل أبناء حارتي لكن إخواني رفضوا هذا الموضوع وضربوني وحاربوا من أجل ذلك لأن الكرة في نظرهم عيب ولا تليق بنا وتنقص من مرجلة الإنسان وقيمته أمام الناس. ولاتتصور مدى الحنق الذي أصابني عندما شاهدت زملائي عبد الجليل كيال وسالم باحجري ويحيى رواس وشاكر باحجري يلتحقون بالفريق الذي تفخر به مدينة جدة ومازلت عاشقا له وهم يتألقون في صفوفه وأنا أنظر لهم بنظرة الحرمان فقررت أن أذهب إلى الشرقية لأشبع رغبتي هناك خصوصا أنني كنت لاعبا جيدا بشهادة زملائي وأملك القدرة على المناورة والمداورة نظرا لحجم جسمي.
وصلت للشرقية بتذكرة سفر دفعها شقيقي عبد الله من جيبه، ولم تكن فرق النهضة والاتفاق قد ظهرت في تلك الأيام كما لم يكن في الرياض في تلك الفترة لا هلال ولا نصر فلعبت الكرة لحد الإشباع لكنني اكتشفت أن الحياة بحاجة لما هو أكبر من مجرد ركل الكرة، فاضطررت للعمل في شركة أرامكو وبفضل من الله سبحانه وتعالى لم أجد مفرا من الاجتهاد الشخصي وإثبات إمكاناتي الذاتية فتعلمت اللغة الإنجليزية والطباعة على الآلة الكاتبة وإدارة الموقع الذي كنت فيه ثم تعلمت الترجمة من الإنجليزية إلى العربية والعكس باستخدام القاموس كما عشقت القراءة وزاد عشقي لها في أيام الحرب العالمية الثانية عندما كانت تصدر صحيفة البلاد في مكة المكرمة أسبوعيا فيستعين بي كبار السن لأقرأ لهم أخبار الحرب وما يرد فيها من أخبار المملكة وعشت نشوة شعوري بالتفوق ومنذ تلك الفترة اعتدت أن أقرأ كل يوم بما يتوفر تحت يدي من قصص وكتب مثل كتب عنترة بن شداد وحمزة البهلوان والزير سالم، وساعد عدم وجود وسائل ترفيه مثل التلفزيون مثلا في تركيزي على جانب القراءة.
قررت بعد أربع سنوات العودة إلى مكة المكرمة لاستكمال دراستي الثانوية في مدرسة تحضير البعثات، واخترت بعد التخرج مع مجموعة من زملائي دخول مجال البحرية بحكم أننا أبناء مدينة ساحلية وأغرتنا فكرة السفر إلى الإسكندرية بذلك فالتحقت بالكلية البحرية في الإسكندرية برفقة زملائي الذين شكلوا الدفعة الأولى من السعوديين الشريف عون، يوسف مرداد، رشاد أبو السمح، عصام إدريس، وعثمان فدعق، وكانت فرحتنا كبيرة عندما فوجئنا بزيارة الأمير مشعل بن عبد العزيز وزير الدفاع آنذاك لتفقد أحوالنا عام 1958م، وظلت العسكرية منذ تلك الفترة إلى أن أصبحت الآن على أبواب الثمانين تسري في دمي بجديتها وانضباطها وروعتها.
• لا شك أنك أصبت بصدمة حضارية مفاجئة؟
ــ بل أكثر من ذلك، فبمجرد وصولي إلى القاهرة لفت انتباهي وجود عمائر متعددة الأدوار بهذا الطول على خلاف جدة التي كانت أطول عمارة فيها لا تتجاوز أربعة أدوار من الطين والبناء القديم، وظللت أتطلع لساعات في هذه المعجزة بالنسبة لي، كما انبهرت بالسينما والشوارع النظيفة، ووقعت في الحب في الاسكندرية أكثر من مرة وكدت أذهب في ستين داهية ولكن الله سلم، وأكثر ما أسعدني كطالب الثلاثون جنيها التي كنا نستلمها من الكلية كل شهر والتي أخرجتني من عالم الفقر، لكنها لم تعلمني كيف أنجو من الخسارة في سوق الأسهم الذي أكل كل مالي بعد أزمة 2006م وخسرت فيه أكثر من 11 مليون ريال في غمضة عين.
• وهل تأثرت بأجواء صعود القومية العربية وعنفوان الحزب الناصري؟
ــ من دون شك، ولا تنس أن الرئيس جمال عبدالناصر امتلك شخصية مبهرة ومقنعة أشعرتنا بشيء جديد لم نعرفه من قبل في عالمنا العربي، وعندما حدثت النكسة في 67م كنت نقيبا وقتها وصدمت مثل كل العرب صدمة شديدة غيرت نظرتي للقضايا السياسية وطريقة التعاطي معها.
• عدت إلى المملكة ولم تكن هناك قوات بحرية فكيف بدأت العمل؟
ــ تخرجنا من السعوديين في الدفعة الأولى أربعة طلاب فقط أنا ورشاد أبو السمح ومحمد عون شرف وإبراهيم سجا، من بين عدد كبير من الطلاب الذين لم يوفقوا بالصبر على شدة وصرامة وصعوبة دراستها، وكانت أولى مسؤولياتي كضابط إدارة وعمليات افتتاح مدرسة بحرية لتعليم الجنود السلاح والمشاة، ولم يكن لنا مقر ثابت وإنما كنا نعمل في مكتب صغير في مطار الظهران ومعنا مكتب القيادة وبعثة أمريكية ولدينا مستودع صغير لمتطلباتنا حتى السيارات لم نكن نملكها وكانت عندنا سيارتان لوري وأتوبيس لإحضار العاملين من الخبر والدمام صباحا وإعادتهم ظهرا، ولم نكن نملك أية فلوس أو ميزانية، ولأننا كلنا تخرجنا كملازمين فقد تم تعيين قائد علينا من الجيش السعودي وهو العقيد أحمد منصور رحمه الله، ثم استلمت بعد ذلك قيادة المدرسة البحرية وبدأنا بضم الجنود ثم ضباط الصف الذين سيتخرجون لأداء الخدمة ذلك الوقت وأعطيناهم دورات تنشيطية في الهندسة والعلوم البحرية وقيادة الزوارق وصيانتها، ثم طورنا المركز ليكون معهدا للدراسات البحرية بإضافة مواد ومهمات أخرى، ثم استولينا على موقع شركة إيطالية على مدخل ميناء الدمام، وأتذكر أن عبدالعزيز القريشي عندما كان مسؤولا عن سكة الحديد طلب منا الخروج فقلت له: ليس لنا مكان آخر نذهب إليه فسكت عنا على مضض.
• وهل كان نقلك إلى جدة في تلك الفترة بالذات قرارا تأديبيا؟
ــ أبدا، بل كان قرارا تشريفيا من سمو الأمير سلطان؛ تجاوبا مع طلب وزير المواصلات حسين المنصوري آنذاك، الذي كانت وزارته تشرف على الموانئ في تلك الفترة لإيقاف التلاعب في الإدارة البحرية في ميناء جدة، فعملت ضابطا لإدارة عمل السفن، وكنت مسؤولا عن محاربة الرشوة والتأكد من جاهزية السفن للإبحار ووجود أدوات الإنقاذ بها خصوصا المنقذين والتأكد من تدريبهم، وانتهت الثلاث سنوات وكتبت خطابات طويلة لتجديد إعارتي لثلاث سنوات أخرى أو نقل خدماتي لهم نهائيا، ورفعت الأوراق للملك فيصل ــ رحمه الله ــ فكتب جلالته بخط يده بعد العودة للنظام الذي لا يسمح بتجديد الإعارة (علينا أن نطبق النظام ولا نتجاوزه وعليه أن يعود إلى عمله) وظللت أعمل في الميناء طيلة فترة المكاتبات التي استمرت أكثر من سنتين ثم عدت للشرقية قائدا لمركز التدريب البحري.
• تأخرتم في إنشاء الكلية البحرية؟
ــ كل شيء في وقته حلو، وإنشاء الكلية كان فكرة مطروحة في ذلك الوقت ومعدا له، وحدث في إحدى حفلات التخرج التي أقمناها في مدينة الجبيل، بعد أن اكتشفنا وجود مبنى متكامل لا مثيل له في تلك الفترة، وكان مقرا سابقا لمدرسة السفن الفرنسية، وكنت بحكم الأقدمية عميدا في ذلك الوقت ومرشحا لقيادة الكلية، فأعلن سمو الأمير سلطان في الاحتفال عن إنشاء كلية الملك فهد البحرية عام 1403هـ وتكليفي بقيادتها.
• بدأت من الصفر؟
ــ استلمت المبنى قاعا صفصفا، وأول شيء فكرت فيه قبل إعداد الفصول وتجهيزها هو المنهج الذي ستسير عليه الكلية، فقررت الذهاب إلى لندن لزيارة مكتبة متخصصة في العلوم البحرية، واشتريت ما يكفي فقط للدفعة الأولى التي ستبدأ بهم الكلية للسنة الأولى، وكانت الدراسة كلها باللغة الإنجليزية، وبدأنا باستقبال 100 طالب كل عام من السعوديين وخمسة طلاب من كل دولة خليجية؛ لعدم وجود كليات متخصصة في جميع دول المجلس ذلك الوقت، الى أن بدأت سلطنة عمان هذه الخطوة بعد ذلك، ثم لحقتها الكويت أيضا.
• لماذا غيرتم وجهة الابتعاث من مصر إلى باكستان قبل إنشاء الكلية؟
ــ للظروف السياسية التي حدثت في عهد الرئيس عبد الناصر في حرب اليمن.
• إلى أين وصلت قواتنا البحرية الآن؟
ــ القوات البحرية تطورت كثيرا، خصوصا في حجم السفن ودرجة تسليحها، ولم نعد ــ بفضل المستوى العالي في الدراسة والانضباط ــ بحاجة لابتعاث أبنائنا إلى الخارج، بل حدث العكس ــ والحمد لله ــ وأصبحت الكلية وجهة الكثير من الدول الأخرى. لكنني ما زلت مع ضرورة أن يتعلم طالب البحرية أساسيات العلم، بالرغم من النقلة التكنولوجية الهالة التي أحدثها الكمبيوتر، ولكن لو انطفأت الكهرباء فنحن بحاجة للرجوع إلى الأساسات، كالخرائط وغيرها كثقافة علمية، مثل كيفية تحديد الموقع أولا عن طريق الشمس ــ مثلا، كالطبيب الذي يتعلم الكيمياء والفيزياء، لكنه لا يمارسها في عمله، وإنما تبقى قواعد يبني عليها. وقد مررنا بحالات انفصال التيار الكهربائي المغذي لهذه الأجهزة، فاضطررنا لاستخدام الأساليب القديمة، والحمد لله، أن كل سفننا مجهزة بأحدث تقنيات العصر، لكن لا بد رغم هذا من تعلم الأساسات.
• وبالمقارنة مع جيراننا الشرقيين؟
ــ هم أكثر خبرة وممارسة بما لديهم من صواريخ وطائرات وزوارق بحرية مصنعة محليا تكاد تطير من على سطح البحر. وتظل القوات البحرية السعودية في حالة تنامٍ مستمر منذ مطلع الثمانينيات، عندما بدأنا تعاونا مع الحكومة الفرنسية تحت اسم «مشروع الصواري»، وتم بموجبه الحصول على التدريب وعلى السلاح، من فرقاطات مقاتلة ضد الأهداف الجوية السطحية، وتحت السطحية. وكذلك تزويدها بالبعد الرابع، وهو الطيران البحري العمودي، إضافة إلى سفن الإمداد والتموين، التي يسرت للوحدات البحرية إمكانية البقاء والإبحار لآلاف الأميال، بدلا من الدخول للموانئ الصديقة، أو الأجنبية للتزود بالوقود والماء والإعاشة، أو حتى قطع الغيار وأعمال الصيانة. ولذا، نجد أن القوات البحرية أخذت نصيبها من التطور والتقدم. كما تم بناء قواعد مساندة لها في كل من رأس مشعاب، رأس الغار، والقضيمة، نظرا للحاجة المستقبلية لمثل هذه القواعد، ولأهميتها في تأمين متطلبات القوات البحرية العلمية، والإسناد الإداري والتمويني والعملياتي.
• لماذا يغيب جانب استخدام الغواصات في القوات البحرية الخليجية؟
ــ الغواصات في منطقة الخليج لا تستخدم لعدم وجود العمق الكافي لها، كما أنه يمكن رصدها من الجو بسهولة؛ ولذلك أية غواصة تمر من الخليج لا بد أن تكون على سطح الماء، خوفا من احتمالات اصطدامها بالسفن لضيق المساحة وقلة الأعماق.
• كيف تقيم مستوى الكلية حاليا؟
ــ يكفي أن تعرف أن الباكستان التي كنا نبتعث إليها طلابنا، وهم أقدم منا خبرة وممارسة، جاءنا قائد قواتها البحرية آنذاك في زيارة للكلية، وانبهر بنظامها ومناهجها وانضباطها وشاهد حياة الطلاب، فطلب من الأمير سلطان أن أزورهم لتطوير مستوى كليتهم، وفعلا وافق الأمير سلطان على انتدابي لمدة شهرين إلى باكستان للتعاون معهم، وذهبت إلى هناك فوجدت عدم إنصاف في تنظيم الكلية، حيث قسمت إلى جزءين الأفضل لطلبة باكستان، فالمناهج والتدريب أفضل من الجزء الآخر الذي خصص للطلبة القادمين من الخارج، حيث يسيطر التراخي والتساهل فعدت ولم أتحمس كثيرا للعمل معهم.
• يقال إنك فصلت الكثير من الطلاب؟
ــ فصلتهم لأسباب أخلاقية؛ كالاعتداءات مثلا وكذلك لتناول مواد محظورة، والفصل لا يتم جزافا لمجرد العلم بشيء وإنما بعد الكشف الطبي والتحقيق مع الطالب.
• أليست الشدة التي تتجاوز حدود المعقول؟
ــ بل الشدة التي تبني رجالا للدفاع عن الوطن في وقت الأزمات ولايضعفون أمام المغريات والأهواء هي التي طبقتها في الكلية؛ لدرجة أن بعضهم لم يكن يرمش بعينه عندما يراني، وأنا فخور بما قدمت لأنني وجدت من كل طلابي احتراما وحبا بعد تخرجهم، وما زلت على علاقة طيبة معهم كلهم دون استثناء. وأزيدك من الشعر بيتا، فقد كنت أراقب الطلاب من سطح مبنى الكلية في أوقات الظلام لحرصي على أن يكون انضباطهم دائما وليس مرتبطا بوجود أشخاص يراقبونهم في الكلية، فكنت أخلق لهم أجواء مفاجئة بالصراخ عليهم في الظلام عندما ألمس وجود عدم انضباط في تصرفاتهم، وظلت هذه الحركة أشبه بالجرس المعلق في رقبة كل طالب مما ساعد على رفع درجة الانضباط وتحسين سلوكهم الفردي في الكلية، وكانوا من شدة تركيزهم يبدون كمن يتوقع أن يخرج له العفريت في أية لحظة.
• كنتم تتعسفون في سجن الطلاب ومعاقبتهم؟
ــ طبعا، لدرجة أن من يدخن في الكلية يحبس لمدة شهرين تقريبا ويمنع من الخروج، ونحن فعلنا ذلك حفاظا على أبنائنا لكي لا تتطور أمورهم نحو الأسوأ فنفقدهم كما حصل مع بعض المبتعثين إلى باكستان.
• لماذا تقاعدت قبل وصولك للسن القانونية؟
ــ خرجت من العمل العسكري دفاعا عن مبدأ عدم الاستثناء في دخول الكلية لطلبة العلمي فقط الحاصلين على 75 في المائة، فما فوق وأن يتناسب طول الطالب مع وزنه، وهو المبدأ الذي حاول أن يكسره أحد زملائي آنذاك لصالح ابنه المتخرج في القسم الأدبي، فأصررت على موقفي كقائد للكلية خصوصا أننا نحن الاثنين عملنا سوية على وضع شروط الالتحاق بالكلية التي لا تنطبق على ابنه إلى أن وصلنا إلى طريق مسدود، فقررت التقاعد بعد قضاء 34 عاما تخرج فيها من تحت يدي 750 ضابطا وأكثر من 11 ألف ضابط صف من معهد الدراسات البحرية و150 من دول الخليج.
• لكنك رشحت لقيادة القوات البحرية واعتذرت، لماذا؟
ــ نعم رشحت من لجنة الضباط العليا المكونة من قادة القوات البرية والجوية والاستخبارات ورئيس شؤون الضباط، وأوكل إلى رئيس الاستخبارات البحث عن قائد للقوات البحرية آنذاك بعد إصابة القائد السابق عون شرف ــ رحمه الله ــ بسرطان الكبد وأصبحت حالته ميؤوسا منها، وكنت وقتها أقوم بعمله كقائد للقوات البحرية في الرياض لمدة سنتين، فكتب رئيس الاستخبارات تقريرا بترشيحي وجاء الزملاء لتهنئتي، وكنت وقتها أعاني من مرض الربو وابتعدت عن أبنائي الذين التحق منهم اثنان بكلية الطب، فطلبت صرف النظر عن ترشيحي وتمت الموافقة على ذلك.
• هل أنت مقتنع بأن يكون سن الستين مدعاة للتقاعد عن الوظيفة؟
ــ ينبغي النظر في هذه المسألة لوضع الإنسان وصحته واستعداده، فأنا مثلا متقاعد منذ 20 سنة، وما زلت أمارس الرياضة بشكل يومي وقادر على العطاء.
• كيف استطعت أن تعيش بشخصيتين متناقضتين بين المنزل والكلية؟
ــ الشدة والعسكرية تغير الإنسان نحو الأفضل وليس الأسوأ، لذلك لم أتعامل مع أولادي في يوم من الأيام بالإرهاب والتخويف لأنني رجل عسكري، بل على العكس تماما فقد تعاملت معهم بالإقناع والابتسامة الدائمة، وهذا ما ضيق الفوارق النفسية بيني وبينهم فأصبحت صديقا لهم ومستودعا آمنا لأسرارهم.
• متى يصبح لدينا أرشيف عسكري مكتوب؟
ــ نظام التوثيق الموجود غير مكتمل وغير مقنع أيضا، أعتقد أن هذا من مسؤوليات رئاسة الأركان في الرياض لوجود قطاعات الجيش والطيران والبحرية وكلها قطاعات لديها الكثير من الخبرات الكبيرة، ويمكن أن يتم من عمل هذا الأرشيف من خلال لجنة من العسكريين أصحاب الخبرة والوعي، ولابد أن يتم ذلك بسرعة لأهميته الكبرى.
• الى أي مدى أثر اليتم فيك؟
ــ اليتم صنع مني إنسانا مختلفا، وقد أكرمني الله بالتميز في كل موقع من خلال الصرامة والجدية والعسكرية النظيفة والعدل والقيادة وانعكس اليتم على علاقتي بأولادي، فقد اقتربت منهم أكثر لكي لا يشعروا بما شعرت به، وقد وجهتهم لدخول الطب ولا غير؛ لأنه من أفضل المجالات الإنسانية ولموقعه المحبب الذي يتمناه الكثيرون، والحمد لله أنهم دخلوا بقناعة إلى هذا المجال، والآن ابني سامح تخرج الأول على دفعته ويحمل أربع شهادات دكتوراة في الجراحة العامة وجراحة الأوعية الدموية، كما أن ابنتي سحر تخرجت الأولى مع مرتبة الشرف ولم تضرب نتائجها حتى الآن، وهي تعمل حاليا أستاذة في إحدى كليات الطب في ولاية كاليفورنيا وتعمل في مستشفى متخصص للأطفال، أما شقيقتها الصغرى فتعمل أستاذة في كلية الطب في جامعة الملك فيصل في الأحساء.
تنازلت عن القيادة بسبب الربو .. مؤسس القوات البحرية اللواء سالم باريان لـ «عكاظ» :
رفضت واسطة زملائي فتقـاعدت وخرجت من جدة بسبب الاتحـاد
30 ديسمبر 2010 - 22:18
|
آخر تحديث 30 ديسمبر 2010 - 22:18
رفضت واسطة زملائي فتقـاعدت وخرجت من جدة بسبب الاتحـاد
تابع قناة عكاظ على الواتساب
حوار: بدر الغانمي