كنت أغط في سبات عميق.. تتالت الطرقات المذعورة الفزعة على غرفة نومي.. لملمت الكرى وقمت متثاقلا وتحركت الحاسة السادسة.. اللهم اجعله خيراً.. فقد تمنيت أن يكون والدي رصيد الحب الكبير.. بخير.. قيل أخوك عبدا لرحمن.. وزير العائلة ومحور إدارتها.. يريدك أن تتصل به ضروريا.. تمالكت أعصابي وأدرت الأرقام جاءني صوته يتلّه من قاع بئر الأحزان.. قال أخونا أحمد حالته خطرة وفى غيبوبة تامة.. قلت اصدقني.. هل مات.. قال وهو يصارع الآلام نعم.. إنا لله وإنا اليه راجعون.
على رأس عمله :
كان أحمد يرحمه الله يحب عمله يبادر مع اشراقة الصباح يسبق العمال وعلمت عجبا.. فزوجته تجهز له فطوره على هيئة سندوتشات.. أربعة، بالطبع لا يأكلها جميعا.. إنما يوزع ثلاثة على العمال وأربع تفاحات ثلاث منها على العمال.
وجاءت الرواية لقد وصل إلى مكتبه في السادسة والنصف.. وقّع على ورقة الدوام ثم انصرف إلى مكان آخر لعله المستودع الذي يدخل في نطاق مسؤوليته.. وبعد أن امتطى صهوة القيادة.. فاضت روحه إلى بارئها.. وجاء الرفاق تملأ أصداء إذاعة القرآن الكريم التي كان يستمع إليها أسماعهم.. صدم الجميع.. وتناول رئيسه هاتف ( المرحوم ) الجوال وطلب آخر رقم تحدث إليه.. فلم يجب أعاد الكرّة وأخيرا استغرب أخوه فالهاتف يسجل أن ( أبو سلطان ) هو الذي يطلبه.. وتأتى الطامة الكبرى أن المتحدث ليس هو.. ونزلت الإخبارية على المسكين كالصاعقة.. وهرول إلى المركز الطبي لـ«السعودية».. ليجد من يشير إليه باتجاه سيارة الإسعاف واستغرب كثيرا.. هل سينقل المريض إلى مستشفى متخصص؟ قالوا.. بل إلى منزله.. ولِمَ الإسعاف؟.. قيل ليقل جثمانه.. أحسن الله عزاك..هرع إلى الداخل لم يصدق يريد التأكد من الطبيب.. لكن الإجابة صارمة ولا عدول عنها.
المواقف الكبيرة :
نقل إلي الخبر وطلب إلي تدبر الأمر وإبلاغ زوجته وأولاده اتصلت بجميع أهلها فالجميع نيام فالوقت مبكر.. حاولت الاتصال على هاتف المنزل فما من مجيب.. وأخيرا جاء أخوها العميد محمد إبراهيم مغربل وهو رجل قيادي مشهود له بقوة الإرادة والإدارة.. وعجبا كل العجب.. لقد انهار الرجل وأخذ يبكى كطفل صغير.. ويدور في حالة انعدام وزن.. رق قلبي لحاله فهو عميد أسرته.. وهو معين كبير من الحنان على إخوته.. أخذت اعزيه وأشجعه على أن يقدم وأنا مشفق عليه وعلى أخته التي غادرها زوجها من ساعة فقط.. وأرخت المأساة بذيولها وخيم الحزن وأطبق على كل القلوب.. إن خبر الفجيعة فجيعة كبيرة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل شيء يبدأ صغيرا ثم يتدرج في النمو الا مصيبة الموت فهي تبدأ كبيرة كالطامة ثم تتبخر شيئا فشيئا.. ويفجر الرؤوف الرحيم ينابيع الرحمة.. تفرش الأرض بساطا للتواد والتراحم.. ويبرز دور أهل الحي ( حي المحمدية ) في ملحمة لا أحلى ولا أجمل.. الكل اشرعوا منازلهم.. الكل يخدم.. الكل يقدم العطاء.. والكل يبدى جوانب وضاءة عن الفقيد.. والله لم نكن نعرفها نحن أشقاؤه.. إنها مواقف كبيرة لا تصدر إلا عن الكبار.. ولقد أسهمت المشاعر الكبيرة من الكبار والصغار مسؤولين وعامة الناس.. في امتصاص الفاجعة وتخفيف المصاب.. إنها صورة من التكافل الاجتماعي جديرة بالوقوف أمام دلالاتها الإيمانية والإنسانية.. وأكاد اجزم لو أن هذه الروح وخاصة جماعية حي المحمدية تفشت في المجتمع لأعدنا للأذهان ما حفظته الذاكرة وما رواه التاريخ عن المجتمعات الفاضلة التي بنيت على قاعدة وتعاونوا على البر والتقوى.
فاكس 6609569
ali@alrabghigroup.net