أكد سمو الأمير خالد الفيصل أمير ـ منطقة مكة المكرمة أن ولادة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ وحياته لم تكن صدفة ولم تكن الأحداث في حياة الفيصل صدفة،أنا أعتقد أنها قدرة إلهية وأن الفيصل خلق ليكون ملكا وقائدا للإسلام والمسلمين ولذلك أتخيل الفيصل أنه من سلالة محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب وهما الاثنان اللذان كان بسببهما قيام الدولتين السعوديتين الأولى والثانية.. جاء ذلك خلال ترؤسه الجلسة الثامنة والختامية للندوة العلمية لتاريخ الملك فيصل بن عبد العزيز مساء أمس والتي تنظمها دارة الملك عبد العزيز في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات لليوم الثاني والأخير.
كما تحدث في الندوة كل من جميل بن إبراهيم الحجيلان أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية السابق, و محمد بن علي أبا الخيل وزير المالية والاقتصاد الوطني سابقاً و هشام بن محيي الدين ناظر سفير خادم الحرمين الشريفين في جمهورية مصر العربية وهم ممن عملوا في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – تحدثوا فيها عن الإنجازات العديدة التي شهدتها المملكة في عهده – رحمه الله – في شتى المجالات التي أسهمت في تنمية البلاد, كما تطرق المتحدثون لسمات شخصية الملك فيصل بن عبد العزيز في إدارة شؤون البلاد.
همّ التضامن
وقال الأمير خالد الفيصل: عند اختيار الملك عبد العزيز للملك فيصل بأن يكون مبعوث الملك لتهنئة قادة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى وذلك قبل توحيد المملكة ولقائه القادة الغربيين ومحاورتهم والاحتكاك بالحضارة الغربية وتفتح آفاقه على هذا العالم الجديد لا أعتقد أن هذا صدفة ،كما أن إرسال والده له على رأس جيش إلى عسير وهو في سن الـ 16 سنة ودخوله عسير دون حرب ودون اطلاق رصاصة واحدة، كما قام والده الملك المؤسس بتعيينه نائبا للملك في الحجاز كل تلك الأحداث كان لها دور كبير في تشكيل شخصية الفيصل وما كان عليه وما كان يؤمن به.
وأضاف سموه أن الملك فيصل بالرغم من تلك الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية لم تزعزع شجاعته وذلك تجلى في وقوفه في وجه المد الشيوعي والذي لم يفرض عليه أن يقوم بتمثيل دبلوماسي مع الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت وكان هو القائد الوحيد بين الدول العربية والإسلامية الذي وقف في وجه المد الشيوعي.
وقد استشهد سموه بعدد من المواقف التي عاصرها مع والده الفيصل وكيف كان الفيصل في حياته العامة والخاصة وقال إن الملك فيصل كان يعمل على مدار الأسبوع حتى في أيام الأعياد ما عدى صبيحة يوم الجمعة لأنه لم يرغب في تأخير الموظفين عن أداء صلاة الجمعة وكان يخصص في يومه نصف ساعة لأسرته ومن ثم يذهب إلى المكتب ويقوم بعمله اليومي وكان يخصص بعد صلاة العشاء ساعة لنساء العامة والأسرة لمناقشة قضاياهن ومشاكلهن.
وأشار سموه الى أن الملك فيصل كان يحمل على عاتقه قضية نصرة الدين الإسلامي وسعيه في تحقيق التضامن الإسلامي وقد حقق ذلك في المحافل الدولية عندما كان يدافع عن الدين الإسلامي وعن المسلمين وقضية العرب القضية الفلسطينية.
الفيصل والصحة
ومن جانبه قال أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية سابقاً جميل الحجيلان ان الملك فيصل كان يسعد عندما لا يرى أيا من الوزراء لايأتون إلى مكتبه لسؤاله عن بعض الأمور وذلك لاعتقاده بأنه قام بتعيين الوزير المناسب في المكان المناسب، كما كان قد وجه الملك فيصل الحجيلان عندما كان وزيراً للصحة بالقيام بجولة على كافة مناطق المملكة لتفقد الخدمات الصحية في تلك المناطق وقد دامت الجولة 25 يوماً.
وأضاف الحجيلان أن الفيصل كان حريصاً على انشاء المستشفيات بكافة التخصصات في مناطق المملكة وعلى اختلاف أحجامها وطلب منه مراجعة وزير التعليم العالي آنذلك لمناقشة قضية زيادة عدد الأطباء السعوديين لتشغيل تلك المستشفيات في المستقبل.
وعن تولي الحجيلان وزارة الإعلام.. طلب منه الملك فيصل الحفاظ على موقف المملكة من عدم الرد على أي من التعليقات التي كانت تصدر من دولة مصر ابان حكم جمال عبدالناصر والحفاظ على سياسة عدم الرد وعدم إذكاء المشاكل العربية من خلال الخطابات والبيانات الصحفية والحفاظ على وحدة الصف العربي.
الفيصل والإصلاح الإداري
ومن جانبه قال وزير المالية والاقتصاد الوطني سابقاً محمد أبا الخيل ان الملك فيصل كان هاجسه فكرة الإصلاح الإداري الشامل وقد بدأ الاعداد لتلك الخطة التي كانت تتطلب العمل لساعات طويلة صباحاً ومساءً وكذلك تدريب كافة العاملين في قطاعات الدولة عليها.
وعلى الصعيد المالي كان هناك ما يعرف بالإصلاح المالي وكان البرنامج الذي اقترحه الملك فيصل يتميز بالتماسك والتنسيق والانضباط وكانت الدولة في ذلك الوقت لم تتجاوز ميزانيتها 3 مليارات ريال ولكن رغم ذلك كان هناك هدفان يجب تحقيقهما إدارة الدولة بمبلغ 3 مليارات ريال وتحقيق الإصلاح المالي.
اهتمامات الفيصل
وأشار سفير خادم الحرمين الشريفين في جمهورية مصر العربية هشام محي الدين ناظر أن الملك فيصل عندما كان نائبا للملك في الحجاز وهو الوحيد الذي حمل ذلك اللقب واختلاطه بالمجتمع الحجازي والمجالس الثقافية ساهم بشكل كبير في إعلان توحيد المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت.
وأضاف أن الملك فيصل كان له اهتمام في قضيتي الصحة والتعليم حيث كان قد أشرف شخصياً في إنشاء مدرسة الثغر النموذجية في جدة وكما أشرف على إنشاء مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض.
وقال ناظر أن الملك فيصل تعلمنا منه أن لا نرفع له أي اقتراح دون تدقيق أو أي مشكلة دون اقتراح حل لها.
الجلسة السابعة
وفي وقت سابق من مساء أمس عقدت الجلسة السابعة والتي بدأت بعد صلاة المغرب افتتح الدكتور أحمد بن محمد الحميد من جامعة الملك خالد في أبها أعمال الجلسة السابعة التي بدأت بالورقة العلمية (العلاقات السعودية الإيرانية ومشكلات الأمن الإقليمي في الخليج العربي على عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز 1964/1975م) والمقدمة من الدكتور جمال زكريا قاسم – رحمه الله – من جامعة عين شمس في مصر وألقاها نيابة عنه الدكتور محمد صابر عرب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية وتناولت الورقة جانباً مهماً من السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز من خلال حرصه – رحمه الله – على ترسيخ أركان الأمن الإقليمي وتدعيم أسسه من خلال دبلوماسيته الهادئة في التقارب مع إيران ساهم في هذا التقارب عاملان رئيسان حضرهما الباحث في انحصار المد القومي العربي إثر هزيمة يونيو 1967م وقرار الانسحاب البريطاني من منطقة الخليج في يناير 1968م مما أدى إلى نشوء فراغ سياسي وعسكري نشأت معه أهمية التقارب بين البلدين للمحافظة على الاستقرار السياسي ومواجهة الحركات الراديكالية التي استهدفت إحداث تغيرات سياسية فضلاً عما أفرزته من تهديد لمضيق هرمز الذي يصَّدر ما يقرب من 40% من إنتاج النفط إلى العالم الخارجي فارتكزت جهود الملك فيصل بن عبدالعزيز على سد الفراغ الناتج عن الانسحاب البريطاني من داخل المنطقة وليس من خارجها, وذلك بالتعامل الدبلوماسي مع إيران وعدم استبعادها من مسؤولية أمن الخليج مما كان له الأثر في تحقيق مزيد من التقارب معها, وفي منحى آخر تطرق الباحث إلى دور الملك فيصل بن عبدالعزيز في أزمة الطاقة العالمية أثناء دعوته التي آزرتها دول الخليج إلى حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية ما لم تتخذ سياسة متوازنة بين العرب وإسرائيل مما جعل لها دوراً فاعلاً في الصراع العربي الإسرائيلي.
بعد ذلك قدم الدكتور محمد مراح من جامعة العربي بن مهيدي الجزائرية ورقة عن العلاقات الجزائرية السعودية من خلال الصحف العربية الجزائرية 1946/1975م مستعرضاً الدور المشترك بين الزعيمين العربيين الراحلين الرئيس الجزائري هواري بومدين والملك فيصل بن عبدالعزيز وما أداه البلدان من أدوار حاسمة في الأحداث الكبيرة على المستوى العربي والدولي في تلك الفترة بقيادة هذين الزعيمين, وتناول الدكتور مراح هذا التوحد في الاتجاه والمواقف السياسية بين الجزائر والمملكة من خلال الصحف العربية التي كانت تصدر في الجزائر في تلك الفترة.
وفي نفس مسار العلاقات المغاربية السعودية تطرقت الدكتور لطيفة الكندوز من جامعة محمد الخامس بالمغرب إلى ملامح وشواهد من العلاقات المغربية السعودية ذات الجذور التاريخية وتنامي هذه العلاقة في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز نتيجة تطابق وجهات النظر والتنسيق العميق بشأن الاهتمامات المشتركة بينهما بعد أن خص الملك فيصل بن عبدالعزيز بست زيارات خلال مدة حكمه (1385-1395هـ/ 1964-1975م) كانت تمليها ظروف سياسية تحتاج إلى التشاور وتنسيق العمل بين البلدين, واستدل الباحث من خلال تحليل الخطب والكلمات للملك فيصل بن عبدالعزيز والملك الحسن الثاني التي ألقاها العاهلان السعودي والمغربي المتبادلة على مدى التوافق والتجانس والتنسيق في القضايا الأساسية التي تواجه البلدين داخلياً وخارجياً, وتطابق الخطة الأساسية لسياستهما المبنية على التطور والتجديد الهادف مع المحافظة على الثوابت الدينية والثقافية.
ومن تركيا قدم الدكتور مصطفى أوزوتورك من جامعة الفرات بتركيا تتبعاً لمسيرة العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية من عام 1923-2006 م من خلال ورقته عن العلاقات البينية بين البلدين والأسباب التي ساعدت على توثيق هذه العلاقات بين الدولتين منذ بدايات تأسيسهما, وتطرق د. أوزوتورك بالحديث إلى زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – إلى تركيا وكونها أول خطوة في تطوير العلاقات بين الطرفين على أعلى مستوى وتناول الباحث أصداء الزيارة على المستوى الشعبي والإعلامي في تركيا.
واختتمت الجلسة أعمالها بورقة علمية عن (أنشطة الأمير فيصل بن عبدالعزيز السياسية في الفترة من 1926م إلى 1929م : قراءة في الوثائق الفرنسية) والمقدمة من الدكتور عبد الفتاح حسن أبو علية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتناول فيها من خلال دراسة وتحليل الوثائق الفرنسية من معلومات تاريخية سياسية عن أنشطة الأمير فيصل بن عبدالعزيز السياسية وبيان دوره الفاعل في هذا المجال خلال الفترة بعد دخول الملك عبد العزيز الحجاز وقبل تسلم الأمير فيصل بن عبدالعزيز وزارة الخارجية السعودية.