بسبب ورطة كتابة مقال أو أكثر يوميا فإنني أكون في حالة سرحان وتوهان لفترات متقطعة يوميا، وأنا أفكر في كيفية تناول موقف مررت به او كنت شاهدا عليه.. أسمع أو أقرأ واقعة أو تعليقا غريبا او ذكيا وأقلبه في رأسي لتحديد ما إذا كان يصلح مادة لمقال.. وأكون أحيانا أقود السيارة والى جانبي احد أفراد أسرتي فيفاجأ بأنني أقول شيئا بصوت مسموع ثم أنفجر ضاحكا.. حتى وأنا في البيت أردد بصوت عال جملة أو أكثر فتهتف زوجتي جزعة: بسم الله الرحمن الرحيم.. مالك يا راجل تكلم روحك! صرت أحاول قدر الإمكان تفادي مخاطبة نفسي بصوت مسموع.. أي تفادي الكتابة الشفهية وأعني بذلك النطق بالعبارات التي تخطر بذهني وأنا أصوغ في ذاكرتي عبارات مقال عنَّ لي، حتى لا ينزعج أفراد عائلتي ويتشككوا في قواي العقلية.. كانت لدينا خادمة آسيوية أصرت زوجتي على إعادتها لوطنها لأنها كانت تكلم نفسها وهي تقوم بأعبائها المملة والمرهقة، لأنها اعتبرت ذلك دليل اضطراب عقلي، وفشلت في إقناعها بأنها قد تكون “تتسلى وتتونس مع نفسها” لأنها بلا أنيس، وقد يمر بها يوم كامل لا تنطق فيه سوى بكلمات مثل: زين.. أوكي.. مافي.. الحين..
في العدد الأخير من مجلة أبحاث الطفولة المبكرة الربع سنوية البريطانية جاء فيها أن الأطفال الذين يكلمون أنفسهم وهم يقومون بأي عمل يكونون أعلى كفاءة من الذين يؤدون نفس المهام وهم صامتون.. في جامعة نوتنغهام ترنت البريطانية قال 78% من مجموع 500 طالب إنهم يتغلبون على الملل أثناء ركوب القطارات والحافلات بالتحدث بصوت مسموع مع أنفسهم أو الدندنة بشيء ما بل ان الطبيب النفساني بول هورتن يرى في الكلام مع النفس بصوت مسموع وسيلة للتغلب على القلق والاكتئاب، واستنتج من دراسات أجراها بأن الذين “يناقشون” أنفسهم يكونون أكثر إبداعا وابتكارا.. بالطبع فإن هذا النوع من الكلام قد يكون دليل اضطراب نفسي او عقلي ولكن الرك والمحك هو محتوى الكلام! والشاهد هو أنه لا ينبغي علينا وصم شخص ما بالجنون لأنه فقط يحدث نفسه بصوت مرتفع (والمؤسف جدا أننا نميل الى جعل جميع الاضطرابات النفسية ضربا من الجنون وليس مجرد حالات عارضة كلنا معرضون لها.. امرأة تعيسة تقضي معظم اليوم في البكاء ثم تلتزم الصمت؟ مجنونة ولابد لها من خبير أفريقي يردها الى صوابها.. ولو وجدت المسكينة من يصغي اليها بصدق وتعاطف لاستعادت عافيتها النفسية وعادت هاشة باشة).
عاقل رغم أنني أكلم نفسي
14 أبريل 2008 - 21:03
|
آخر تحديث 14 أبريل 2008 - 21:03
تابع قناة عكاظ على الواتساب