من الشعر ما يريحني نفسياً ومنه ما يؤرقني ليلاً، ويطالعنا الدكتور عبدالرحمن العمري أسبوعياً بلمسات طبية ونصائح صحية، يرفقها بأبيات طيبة ونصائح صحية من الشعر الرقيق الساخن مناسبة ليعطي لمحاولاته لمسات شافية وهو الذي كما قيل فيه إنه أدَّب الطب وطبّ الأدب.
وهناك قصيدة في عامي الستين للشاعر الرقيق غازي القصيبي وهي رغم أنها مهداة من قائلها لصديقه الشاعر الأمير خالد الفيصل إلا أنها تعكس مشاعر الكثيرين من الذين بلغوا نفس العمر أو تجاوزوه ورغم أن شعرها يصدق على هؤلاء الذين اقتربوا منه تجاوزاً إلا أنها قضية تؤرق وقد ترسل الدمع الحزين، إلا أن ما تحويه من آمال وحنين وطمع في استعادة بعض أيام الصبا يعيد إلى النفس طمع وطموح الشباب الهارب من قبضة العمر ونكساته وهو يقول ويردد:
إذا شكوت من الإعياء أيقظني
شوق إلى الشوق يدعوني فيحييني
هيهات مازال صوت العود يطربني
ولا يزال جمال الكون يغريني
ولا يزال فؤادي في طفولته متيمَّا بعيون الخرد العين وينهي الأبيات بعد شحنات الأحاسيس الملتهبة:
هذي المغامرة الحمقاء أعشقها
أحيا وأنتي في دواويني
وغازي القصيبي يحضر في النفس الإنسانية ويخرج منها مكنونها باقتدار الفنان.. يا سيدي هذه ليست مغامرة حمقاء بل خلجات إنسان وحساسية روح تتطلع إلى الحياة الرحبة بآفاقها وعيشها طولاً وعرضاً بكل أشواقها الشيقة وكل أشواكها التي توائم ما يصبو إليه الشاعر.
ورغم رقيق دواوينه إلا أنها قصيدة يمتع إلقاؤها فهي أيضاً قصيدة مرشحة للغناء ولا شك أن غناءها يبعث في النفس متعة روحية بجرسها الموسيقي ويبعدها كثيراً عن نغمة الأسى والحزن الذي يكتنف التوغل في خريف العمر أو شتائه رغم كل احتياطات التدفئة أو إحباطات تقدم العمر المخيفة التي ترعب الجنس الآخر الناعم أكثر مما ترعبنا.
والقصيدة تبقى قصيدة في بنائها وجمال مراميها فمثلا قصيدة (الكرنك) رغم أنها تبكي الأطلال وملوك البناء والتشييد إلا أنها تبقى قصيدة خالدة لما حملته من معان عبث التاريخ بها ورغم جمال الصوت الذي تغنى بها والذي تحدى بكاء ونواح الأطلال، وأصبحت أغنية الكرنك تحمل أحلام الفراعنة:
حلم لاح لعين الساهر
وتهاوى في خيال عابر
إلى أن تقول :
حين أرخى الليل للنور وشاحه
وشكا الطل إلى الرمل جراحه
يا ترى هل سمع الفجر نواحه بين أنغام النسيم العاطر.
وأغنية الكرنك هذه لو ألقيت إلقاءً تقف قصيدة قائمة وإن كان محمد عبدالوهاب أضفى على سحرها الطبيعي بفنه جمالاً على جمال.. وتقول الكرنك القصيدة الخالدة:
طاف بالدنيا شعاع من خيالي حائر
يسأل عن سمر الليالي يا له من سرها الباقي ويالي
لوعة الشادي ووهم الشاعر..
وقصيدة في عامي الستين لو غنّيت لتغنى بها أيضاً من جاوزوا الثلاثين ربيعاً تغنياً بصوت العود وترنما به وهو يطرب ويتمايل بعيون الخرد العين.
والاستاذ غازي شاعر فنان وشعره يناغي الإحساس.. إحساس أي جنس وأي عمر بل ويدعو للتغني به شعراً خالداً في مختلف مراحل العمر.. وعقبال المائة عام إن شاء الله.
مختارات الدكتور العمري الشعرية
9 أبريل 2008 - 19:28
|
آخر تحديث 9 أبريل 2008 - 19:28
تابع قناة عكاظ على الواتساب